الورقة الأخيرة للنظام السوري في لبنان

يدرك اللبنانيون خطورة انعكاسات الأزمة السورية على وطنهم الصغير ولذلك، كان طبيعيا ان يتضامنوا بغض النظر عن انتمائهم الطائفي والمذهبي والمناطقي مع المواطنين الشيعة الذين خطفوا في الاراضي السورية في اثناء عودتهم عن طريقها وعبر تركيا من زيارة لايران. اكثر من ذلك كان مفيدا، اقلّه الى الآن، ان يدعو «حزب الله» الى التهدئة والامتناع عن التصعيد ردا على خطف المواطنين اللبنانيين قرب حلب.

المهمّ الآن ان يستوعب جميع اللبنانيين بمن فيهم «حزب الله»، الذي ولاؤه لـ«الولي الفقيه» اوّلا ثم للمحور الايراني- السوري كما يعتبر نفسه امتدادا لهذا المحور، ان النظام السوري يسعى الى نقل ازمته الى لبنان وان كلّف ذلك ابناء الطائفة الشيعية الكثير.
الاكيد ان «حزب الله» لم يستطع ولن يستطيع القيام بالنقلة النوعية التي كان مفترضا ان يقوم بها منذ فترة طويلة؛ تتمثل هذه النقلة في اثبات انه ليس اداة ايرانية، كان مفترضا بالحزب اظهار ان مهمته منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من فبراير ثم انسحاب الجيش السوري من ارض الوطن الصغير، لا تقتصر على ملء الفراغ الامني الناجم عن هذا الانسحاب لمصلحة النظام الايراني. كان ذلك سيساعد، الى حدّ ما، في التشكيك بالتهم الموجهة الى اعضاء بارزين فيه في قضية اغتيال رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الاخرى التي تلت تلك الكارثة.

في كلّ الاحوال، اظهر اللبنانيون مرّة اخرى انهم يعرفون جيّدا ماذ يدبّر لبلدهم. انهم يعرفون خصوصا ان النظام السوري لا يمكن ان يتغيّر وان كلّ جهوده منصبّة حاليا على اشعال حروب داخلية في لبنان معتقدا ان ذلك سيريحه داخليا. لا يدرك النظام السوري ان مثل هذه الالاعيب عفى عنها الزمن ولا علاقة لها بما يدور فعلا في الداخل، فعلى الارض السورية وليس في لبنان سيتقرر مصير النظام السوري في المستقبل القريب. المصير معروف والمسألة مسألة وقت لا اكثر، قد يطول هذا الوقت او يقصر.
اذا كان هناك من ازمة طائفية ومذهبية، فهذه الازمة في سورية قبل ان تكون في لبنان. ولذلك، لن يستفيد النظام السوري في شيء من اثارة ازمة مذهبية في لبنان عن طريق تعميق الشرخ السنّي- الشيعي الذي افتعله «حزب الله» منذ اليوم الذي قررّ فيه ان يكون سلاحه موجّها الى صدور اللبنانيين الآخرين.

هل يستمرّ «حزب الله» في لعب اللعبة السورية الى ما لا نهاية، ام تدفعه عملية خطف اللبنانيين في الاراضي السورية الى اعادة النظر في كلّ استراتيجيته رافضا ان يستخدم في عملية لا تخدم سوى اثارة الغرائز المذهبية ستنقلب عليه في يوم من الايّام؟
ذلك هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بحدّة في اعقاب خطف اللبنانيين في سورية. فالواضح، ان النظام السوري استنفد معظم اوراقه في مواجهة الثورة الشعبية التي تعم كلّ البلد. الى ما قبل فترة قريبة، كان النظام يدّعي ان حلب لم تنضم الى الثورة. يتبيّن اليوم ان حلب صارت في قلب الثورة مثلها مثل دمشق وان ليس امام النظام سوى الرحيل مهما كان حجم الدعم الايراني والروسي، ومهما صدر عن طهران وموسكو من ادعاءات فارغة لا علاقة لها بما يدور فعلا على الارض…
فشل النظام السوري في كلّ المحاولات التي بذلها لتغطية الجرائم التي ارتكبها في لبنان. فشل خصوصا في اقناع اللبنانيين بانّ الحكومة الحالية التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي ليست سوى حكومة «حزب الله» التي لا هدف لها سوى اذلال اهل السنّة والمسيحيين. اثبت اللبنانيون، خصوصا اهل عكّار وطرابلس، انهم اكثر وعيا مما يعتقده كثيرون وذلك على الرغم من كلّ الظلم الذي تعرّضوا له، واثبت اللبنانيون انه يعرفون ان هناك ادوات لدى الادوات من نوع شاكر برجاوي وميشال عون وان مثل هذه الادوات الصغيرة لا يمكنها تغطية اللاعب الاساسي في لبنان، اي «حزب الله».

في نهاية المطاف، لا يمكن تجاهل ان عناصر «حزب الله» عناصر لبنانية وان الطائفة الشيعية الكريمة طائفة كبيرة ومؤسسة في لبنان وان هذه الطائفة تضمّ شخصيات استثنائية كالسيّد حسين الحسيني، على سبيل المثال وليس الحصر، لا يمكن المزايدة عليها لا لبنانيا ولا عربيا.
كون عناصر الحزب لبنانية ووجود شخصيات مستقلّة فعلا داخل الطائفة يبعثان الى التفاؤل بان «حزب الله» يمكن ان يتردد في السير الى النهاية في المخطط السوري. بكلام اوضح، ثمة امل ولو ضئيل في امتناع «حزب الله» عن مساعدة النظام السوري في افتعال صدام سنّي- شيعي في لبنان. مثل هذا الصدام الذي يراهن عليه النظام ويعتبره ورقته الاخيرة لن يفيده في شيء… حتى لو قبل «حزب الله» السير فيه بدل الاكتفاء بدعم النظام السوري بوسائل مختلفة كما يحدث منذ اشهر عدة.
لا يمكن للنظام السوري ان ينجح لا في لبنان ولا في غير لبنان، ذلك عائد الى ان مشكلته في مكان آخر، اي في الداخل السوري. اضافة الى ذلك، هناك حلف واسع يضمّ معظم الدول العربية الفاعلة، اضافة الى تركيا يريد التخلص منه.
الاكيد ان الانتصار على لبنان عن طريق اختلاق مشاكل فيه، بما في ذلك صدام سنّي- شيعي لا يمكن ان يؤدي الى انتصار لا على الشعب السوري ولا على الحلف الاقليمي الرافض لنظام لم يفعل شيئا منذ قيامه سوى تصدير الارهاب والمشاكل الى الدول المجاورة له فيما جبهة الجولان هادئة الى ابعد حدود منذ العام 1974!  

السابق
الريس حمدين
التالي
نصير بيك: لا حوار مع الموت!