خلافات المجلس الوطني

من الطبيعي أن ينظر النظام السوري إلى الخلافات داخل «المجلس الوطني» على أنها من مظاهر صحة النظام وعافيته. نظام كهذا لا يقرأ الخلاف في وجهات النظر سوى باعتباره انقلاباً على الزعيم الأوحد، لذلك يَعتبر خبر استقالة برهان غليون من رئاسة المجلس دليلاً على ضعف المعارضة السورية وعجزها عن أن تكون بديلاً يصلح للحلول مكان النظام.
غير أن الواقع أن بقاء برهان غليون أو غيابه عن رئاسة «المجلس الوطني» لم يعد هو المعيار الذي سوف يحدد مسار الثورة في سورية. بل يمكن المخاطرة بالقول إن بقاء المجلس نفسه لم يعد مهماً بالنسبة إلى هذا المسار. لقد رسمت الثورة السورية طريقاً لها تجاوز معارضي الخارج وأولئك الذين يتداول النظام وأعوانه أسماءهم ممن يسمّون انفسهم «معارضي الداخل». هذا الطريق هو ذلك المرسوم بدماء الضحايا وبالدمار الذي بات يغطي بلدات المعارضين وأحياءهم، والتي بات النزوح والتهجير سمتها الغالبة، وبحجم المجازر والانتهاكات التي أمر قادة النظام بارتكابها ونفذها رجاله وباتت موثقة في تقارير المنظمات الإنسانية الدولية.

نظام يقدم على ارتكابات بهذا الحجم ضد شعبه لا يحتاج إلى معارضة تتحرك لإسقاطه. هو نظام ساقط بفعل الأمر الواقع، وبفعل كونه نظاماً لم يعد يتميز سوى بسلوكه الخارج عن طبيعة الأنظمة، في المنطقة العربية وفي خارجها. هذا لا يعني انتقاصاً من أهمية الاتصالات العربية والدولية التي قامت بها المعارضة، سواء «المجلس الوطني» أو سواه، مع حكومات الخارج، منذ انطلاقة الثورة السورية. لكنه يؤكد واقع أن النظام السوري فقد قدرته على البقاء على رغم كل المناورات السياسية التي حاول بها إطالة عمره، سواء عبر الدستور الجديد الذي أوحى من خلال وضعه والاستفتاء عليه بانفتاحه على التعددية، أو عبر الانتخابات النيابية التي جاءت نتائجها الهزيلة ثم انتخاب الرئيس البعثي لمجلس الشعب الجديد لتؤكد كذب هذه الرغبة في التعددية المزعومة، والتي لا يمكن أن توصف سوى بالمضحكة المبكية.

غير أن كل هذا لا يجب أن يغفل الانتباه عن أهمية الخطوة التي اقدم عليها برهان غليون باستقالته من رئاسة «المجلس الوطني» بعد أن وصف سلوك المجلس بأنه يسير بسرعة مئة متر في الساعة بينما الثورة تسير بسرعة مئة كيلومتر. وهو ما يثبت أن هناك مناخاً من النقد الذاتي داخل المجلس، سواء لجهة بطئه في مواكبة حركة الاحتجاجات في الداخل أو عدم تردده في الإعلان عن حجم الانشقاقات والخلافات داخل صفوفه بين الإسلاميين والعلمانيين. هذا المناخ من الشفافية السياسية هو ما يفتقر إليه النظام السوري الذي يبقى أسير نمط من الأيديولوجية الجامدة التي لا ترى الحق سوى في ما تفعله هي من دون سواه.

يسجل لبرهان غليون ولخصومه داخل «المجلس الوطني» هذا النقاش بأصوات مرتفعة الذي سمعناه في الأيام الأخيرة. فبينما يعترف غليون انه بات «مرشح الانقسام» وأنه لا يستطيع الاستمرار في وضع كهذا، يؤكد «الإخوان المسلمون» انهم وقفوا معه ضد منافسه جورج صبرا لأنهم يعتبرونه المرشح الأصلح لهذه المرحلة، نتيجة الاتصالات والعلاقات الدولية التي أقامها، فيما قال المراقب العام رياض الشقفة إن «الإخوان» لا يمانعون في وصول مسيحي إلى الرئاسة إذا حظي بتأييد أكثرية السوريين، لأن المهم في هذا المنصب هو الكفاءة وليس الدين أو المذهب، وهو ما سبق أن اكدوه في وثيقتهم السياسية الشهيرة التي تضمنت رؤيتهم للمرحلة المقبلة.
  

السابق
شربل: أسباب لوجستية تؤخر وصول المخطوفين وهم بخير
التالي
أنان في دمشق بعد غد… ويلتقي الأسد والمعاضة