افتعال وتصدير الأزمات

تجددت الاشتباكات المسلحة وقطع الطرق في بعض مناطق لبنان مثل طرابلس وعكار، خصوصا بعد مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه محمد مرعب على حاجز الجيش وبشكل ملتبس وغامض.
وهذه الحوادث أعادت إلى الأذهان الشرارات الطائفية الأولى التي قادت إلى حرب أهلية مدمرة عام 1975، فهل تشتعل الفتنة الطائفية من فراغ ودون سبب أم أن هناك جهة تتعمد اشعال مثل هذه الفتن بتخطيط هادف؟
ففي كثير من الأحيان يكون تعمد اشعال فتنة هدفه صرف الناس عن قضايا معينة، مثل المشكلات الداخلية التي توحد الرأي العام حولها، وهذه كثيراً ما تفتعلها الأنظمة الفاسدة والمستبدة، مثلما فعل نظام حسني مبارك عندما أحرق الكنائس لاشعال فتنة بين المسلمين والأقباط.

وهناك أنظمة تفتعل مشكلات خارج بلدانها أو ما يعرف «بتصدير الأزمة»، مثلما كان يفعل صدام حسين في حروبه العبثية على ايران والكويت، حتى لا يلتفت شعبه إلى فساده واستبداده ولاشغال وسائل الإعلام العالمية بعيداً عن أزمته.
وفي بعض المجتمعات هناك فئات متنفذة ضمن نسيج السلطة نفسها، تتنافس وتتصارع على مناطق النفوذ وهو ما يسمى بـ«مؤامرات القصور»، وهذه الفئات لا تتوانى عن اشعال حرب عدائية بين مكونات المجتمع عبر طرق مختلفة منها وسائل الإعلام التي بيدها.

والمشكلة أن كل مجتمعاتنا العربية بما فيها الخليجية تتكون من مكونات مختلفة سواء دينية أو طائفية أو قبلية أو فئوية، وهي قابلة لأن تشعلها فتنة قد تحرق الأخضر واليابس، سواء كانت بأيد داخلية أم خارجية، ما يتطلب تحركاً سريعاً من قبل أنظمتنا لاحتواء جميع المكونات بفرض القانون وتطبيق مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وتربية المواطن منذ نــشأته على المواطنة الدستورية.
كل ذلك يحتاج إلى اصلاحات سياسية جادة، وتخليص أجهزة هذه الدول من عناصر الفساد، وإلا ما أسهل التفجير والقتل وسفك الدماء كما يحدث في العراق وما يمكن أن يحدث في لبنان إذا ما تعقدت الأمور أكثر، أو يمكن أن يحدث في أي بلد من بلداننا إذا سمحنا للاحتقان أن يشتد.  

السابق
أنان في دمشق بعد غد… ويلتقي الأسد والمعاضة
التالي
الراي: نصر الله شكر الحريري على مشاركته في تحرير اللبنانيين المخطوفين