نصر الله في زنزانة سهى بشارة

أن يزور الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الجنوب في مثل هذه الأيام قبل 12 عاماً، ويخصّ معتقل الخيام، الذي خرج منه الأسرى في 24 أيار 2000 وهم يلوحوّن بالبنادق، فإن الأمر يعني الكثير. كان من الطبيعي أن يسأل المصور الصحافي نفسه عن الصورة التي ستحكي عن هذه الزيارة الاستثنائية. رُحت أفتش عنها في زوايا المعتقل الذي لم يكن قد نفض بعد غبار التعذيب عنه، وفي الزنازين التي تآلفت مع معاناة الأسرى.

كنت أبحث عن صورة تضيف إلى معاني الزيارة معنى جديداً. فتشت عن زنزانة تعطي زيارة السيّد كل المعاني المرتبطة بمسيرة المقاومة وهويتها وإنجازاتها التي لا تُعدّ ولا تُحصى. لم تكن «عجقة» الصحافيين والمصوّرين تسمح للمصوّر بأن يلتقط صورة تتميّز عن غيرها، إلا إذا «ضحى» بصور كثيرة عن جولة السيّد، مقابل الحصول على الصورة التي يمكنها أن تؤرّخ للحظة اعتبرتها نادرة. لحظة واحدة تروي حكاية ما عانه المقاومون من أسر واعتقال في زمن الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما فعلته.

قبلت الرهان، أضحي بصور للسيّد وهو يجول في أرجاء المعتقل، مقابل الصورة التي ستعكس الفكرة التي اعتقلتني. انسحبت من بين المصوّرين والصحافيين الذين رافقوا السيد في خطواته بعدما التزمت صمتاً مطبقاً. حملت سري كي لا يسرق أحد مني ما احتل خاطري في تلك اللحظة، لحظات مرت سريعاً لأجد نفسي داخل زانزانة سهى بشارة، الصبية التي كنت أتابع أخبارها على مدى سنوات.
كانت الزنزانة الإفرادية التي أمضت فيها سهى عشر سنوات من عمرها تعبق حرية، منذ غرست أولى بذور التحرير في صدر رأس العمالة أنطوان لحد. ثلاث رصاصات أطلقت مساء السابع من تشرين الثاني من عام 1988. عمليتها الشجاعة كانت كافية لتهز أركان الاحتلال الإسرائيلي وتزعزع نظرية «الشريط الحدودي» الذي حوّله المحتل إلى «جمهورية» مسخ لها اسم وجيش ومعتقل.

يُطلّ السيد بين مرافقيه. يجول داخل المعتقل. يتفقد ساحة التعذيب و«ساحة الشمس. يمشي بين سراديب المعتقل، إلى أن يقترب من الزنازين الإفرادية، التي لا تتسع إلا لمعتقل واحد، أو لمصوّر واحد. كنت داخل الزنزانة التي تنتظر طلة السيد، بعدما أعلمت أحد منظمي الجولة بأمر وجودي داخلها قبل لحظات من وصول السيد اليها كي لا ينكشف أمري أمام الزملاء المصورين. ابتسم صاحبي من دون أن يعلّق، ففهمت ابتسامته «إذن موافقة». جاءت اللقطة المنتظرة. أطلّ السيّد من بوابة الزنزانة، وراحت العدسة تلتهم كل ما في جوف الكاميرا. لم أكتف الا حين استُنزف فيلم الكاميرا. ما همّ طالما أن الصورة أصبحت في أمان. في اليوم التالي، حين نُشرت صورة السيد نصر الله يُطل على زنزانة سهى بشارة ، في صدر الصفحات الأولى لصحف لبنانية وعربية وأجنبية، شعرت بسعادة أن «يُعتقل» المُصوّر للحظات، في زنزانة إفرادية لتُحرّره صورة فوتوغرافية.  

السابق
بطالة الشباب حول العالم
التالي
أمنية وردة الأخيرة؟