فضل الله: لعدم أخذ البلد رهينة في دوامة الفوضى والفراغ الامني

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وحشد من المؤمنين، ومما جاء فيها: "عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، ولنحرص على تأكيد قيمة الجهاد، نبنيها في نفوسنا، نربي عليها أولادنا، ندعو إليها في مجتمعنا، فنحن لم نبنِ أمة ولم نحقق حرية ولم نصنع مجداً إلا عندما التزمت أمتنا الجهاد وعملت به".

اضاف: "إذا كنا نعاني في واقعنا من سيطرة الاستكبار على ثرواتنا ومقدراتنا ومن احتلاله لأرضنا ومن امتهانه لعزتنا وكرامتنا، فلأننا أبعدنا هذه القيمة عن قاموسنا، أخرجناها من التداول حبا لدنيا، أو لعيش، أي عيش، أو استكانة لضعف أدمناه وورثناه".

وتابع: "لكننا، عندما نتحدث عن الجهاد، فإننا لا نتحدث عن جهاد الذين يريدون تدمير الآخرين الذين يختلفون معهم، جهاد الذين يقتلون النساء والأطفال ويروعون المدنيين، جهاد الذين لا تعيش في قلوبهم الرحمة والإنسانية، الجهاد الذي لا ضوابط له ولا حدود، بل هو جهاد لتحرير الأرض والإنسان والمقدسات، هو جهاد لرفع الظلم والطغيان، هو جهاد لإعادة الحق إلى نصابه عندما يحتاج الحق إلى قوة الأقوياء. جهاد لتكون الحياة أفضل والمستقبل أكثر إشراقا".

وقال: "هذا الجهاد الذي نستعيد أسمى معانيه في هذا اليوم يوم المقاومة والتحرير.
إننا نستعيد اليوم هذه المناسبة التي نسترجع فيها مشهد انسحاب العدو من أرضنا، ولأول مرة منذ نشوء هذا الكيان، ذليلا صاغرا يجر أذيال الخيبة والهزيمة".

وتابع: "في هذا اليوم، نستذكر مشهد الشعب الأبي، المحب لأرضه، العاشق لها، الذي لم ينتظر طويلا كي يتأكد من خروج هذا العدو، بل دخل إليها متحملا الأخطار، يقبل هذه الأرض التي عانت طويلا من آثار الاحتلال وعدوانه".

اضاف: "في مثل هذا اليوم، نستذكر المجاهدين الذين لم يكلوا ولم يملوا سعيا لإخراج العدو الصهيوني من أرضهم، لم ينتظروا في ذلك قرارات الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن، ولم يلتفتوا إلى كل الذين كانوا يتحدثون بأن العين لا تقاوم المخرز، وأن لا جدوى من مواجهة هذا العدو المدجج بالسلاح والتغطية الدولية. لقد كان المجاهدون يثقون بوعد الله الذي وعد بأن ينصر من نصره، وتحقق الوعد؛ في هذا اليوم نستذكر الشهداء الذين خضبوا بدمائهم العزيزة الطاهرة هذه الأرض، لم يسعوا وراء ربح مادي أو حتى معنوي، ولا عملا لحساب هذا البلد أو ذاك، أو هذا المحور أو ذاك، كان كل همهم أن يكونوا مع النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا. وفي هذا اليوم، نستذكر الأسرى والجرحى، نستذكر العلماء الذين ربوا ووجهوا وعلموا الأمة التي وقفت مع المجاهدين وتحملت معهم المعاناة. نستذكر كل هذا، لا لكي نزهو بهذا التاريخ، ولا لنبقى نعيش أمجاد الماضي، بل لنؤكد هذا النموذج في مواجهتنا التي لن تتوقف مع هذا العدو.
إن علينا أن نبقي جذوة هذه الروح في الأمة حاضرة وماثلة أمامنا، أن نؤكدها، نثبتها، نمنع كل الذين يريدون أن يعودوا بنا إلى ماضي الهزيمة والخيبة، أن نبقي الوعي الذي أكدناه بالممارسة والعمل، لا بالنظرية".

وتابع: "إن لدينا الكثير من عناصر القوة، ولدى العدو الكثير من عناصر الضعف، وإننا قادرون على مواجهته بنقاط قوتنا في مواجهة نقاط ضعفه، وعلينا أن نملك زمام المبادرة، لا أن تبقى المبادرة بيده".

وقال: "لا تزال المسؤوليات كبيرة، وعلينا أن نتابع هذا النصر بعد أن أكدناه في العام 2006، أن نبقي أعيننا على هذا العدو الذي لن يقبل بهزيمته، وسيسعى جاهداً إلى أن يسترجع هيبته، وأن يثبت للعالم أنها كبوة حصلت، وأنه لا يزال قادراً على هزيمتنا مجددا.لذلك، نحن مدعوون في هذه المناسبة العزيزة، إلى تأكيد أهمية سلاح المقاومة الذي قهر العدو، مصرين على ألا ندخل هذا السلاح، كما يُراد له أن يدخل، في حساسياتنا المذهبية والطائفية والسياسية، ألا نكيد له ليتحول إلى غير وجهته الحقيقية، إنه سلاح الوطن وسلاح كل لبنان، وُجد لذلك، ولم يكن يوماً سلاح طائفة أو مذهب أو محور".

اضاف: "إننا في يوم التحرير، نقول لكل اللبنانيين، مزيدا من الوحدة الداخلية لمواجهة أعتى عدو، مزيدا من الوعي لمخاطر هذا العدو الذي لا يريد خيرا لأحد من اللبنانيين, مزيدا من تلاحم الجيش والمقاومة والشعب. حذار من أن نستبدل هذا العدو بأي عدو آخر، أن نحول بندقيتنا بغير اتجاهه. فليبق عدونا واحدا، هو الكيان الذي لا تزال طائراته تخترق أجواءنا، وسفنه تعبر يوميا مياهنا، وتهديداته تصل إلينا، ولا يزال يحتل بعضا من أرضنا ومن مياهنا".

وتابع: "مبارك للمجاهدين وللأسرى وللعلماء وللبنانيين جميعا هذا العيد، نسأل الله أن يجعله، كما هو عيدا للبنان، عيدا لفلسطين، ولكل أرض لا يزال الاحتلال جاثماً على صدرها".

وقال: "بالعودة إلى الداخل اللبناني فقد دخل البلد في الحلقة المفرغة، ونخشى أن يكون قد سقط في الفخ الذي كنا نحذر الجميع من الوقوع فيه، رأفةً بهذا البلد الذي يكفيه معاناته اليومية المستمرة. حيث صار الحديث من أكثر من جهة عن الخوف على الساحة اللبنانية من تداعيات ما يجري في الداخل السوري وانتقاله إلى لبنان، إن هذا الأمر يستدعي استنفارا من قبل الجميع، لدراسة أفضل السبل لوقاية هذا البلد وحمايته.ومن هنا، فإننا نقف مع كل دعوات الحوار، لرسم خريطة طريق في التعاطي مع كل ما يجري في المحيط والداخل، لضمان السلم الأهلي الذي لا يمكن لأحد أن يتنكر له، لأن الإساءة إليه هي جريمة بحق الشعب اللبناني الذي لا يزال يعاني من نتائج الحروب السابقة التي حصلت على أرضه.إننا نؤكد مجددا أن من حق اللبنانيين أن يعبروا عن آرائهم، وأن يكونوا مع هذا الفريق أو ذاك، ولكن ليس من حقهم أن يحولوا ذلك إلى مادة تشعل البلد مذهبيا أو طائفيا أو سياسيا، أو تجعله مكانا لتبادل الرسائل".

اضاف: "إننا في الوقت الذي نستنكر كل جريمة، أو أي عمل غير مبرر، أو أي إساءة إلى أي لبناني، بصرف النظر عن هويته المذهبية أو السياسية، وخصوصا إذا كان رمزا له موقعه الديني. ندعو الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم في ضبط الشارع، وعدم أخذ البلد رهينة في دوامة الفوضى التي يراد لها أن تضرب المنطقة كلها".

وتابع: "نأمل أن يحرص الجميع على عدم إدخال البلد في الفراغ الأمني الذي بات يمثل عنصر قلق لكل اللبنانيين، ولذلك نؤكد أهمية الحفاظ على هيبة الجيش وكل القوى الأمنية، التي يتعين عليها أن تُشعر اللبنانيين بأنها ملاذهم جميعا، وأن تنظر إليهم بعين العدالة.إن علينا كلبنانيين أن ننهض بأعباء أزماتنا الداخلية، من اجتماعية ومعيشية وسياسية وغيرها، وأن نعمل لحماية وحدتنا الوطنية قبل أن نتورط في صراعات المنطقة، وما يجري من حولها لنكون مجددا وقودا لحرب داخلية لا تنتج سوى الويل والدمار على اللبنانيين".

وعن أزمة اللبنانيين الذين اختطفوا في أثناء عودتهم من الجمهورية الإسلامية، ندعو كل الذين يملكون التأثير في الجهات الخاطفة من فعاليات سياسية وحزبية ودينية ودول إلى "التدخل لدى الخاطفين لإطلاقهم، وفي الوقت نفسه، نقدر كل الجهود التي تبذل من أجل الحفاظ على حياتهم وإطلاق سراحهم، والمواقف التي انطلقت من مختلف الجهات والفئات الشاجبة والمستنكرة، كما كل الجهود التي منعت تحويل ذلك إلى فتنة بين اللبنانيين والسوريين"، كما ندعو أن "يعيدهم إلى أهلهم وإلى وطنهم سالمين غانمين".
ونتقدم بأحر التعازي إلى "ذوي الذين بذلوا دماءهم وهم في الطريق لزيارة المقامات المقدسة في العراق، وعزاؤنا أنهم في هذا الطريق. نسأل الله أن يحشرهم مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، كما ندعو بالشفاء العاجل للجرحى، وأن يكشف هذه الغمة عن هذه الأمة وأن يغير حالنا بأحسن حال".  

السابق
احتفال في العديسة لمناسبة عيد التحرير برعاية قائد الجيش
التالي
رعد: لا يحق لأحد التطاول على الدولة