سيدة مع رؤيا وسيد مع جهاز

لم يسبق أن كانت في إسرائيل حملة انتخابات مملة كهذه. عوفر عيني ضد ايتان كابل في المعركة على رئاسة هستدروت العاملين. هذه السيدة العجوز، التي احمر خداها في الماضي بلون أحمر قانٍ، كفت منذ زمن بعيد عن إثارة اهتمام الجمهور. وكذا عوفر عيني، الزعيم الأحمر الأخير المتبقي في الدولة، ليس داني الأحمر، زعيم ثورة الطلاب في فرنسا في 1968. يدور الحديث عن متفرغ قاتم اللون وعديم الكاريزما قوته في جهازه، كما أن مظهره الاستمتاعي يخلق تضاربا في الصورة مع كفاحه من اجل عمال كادحين.
الحكومة الضخمة الوطنية جعلت معارضتنا صحراء مقفرة، موضوعا بالتأكيد ليس صحيا لدولة ديمقراطية. رئيسة المعارضة شيلي يحيموفيتش تبث زعامة وكاريزما إعلامية وتقلع في الاستطلاعات، ولكن عدد الأصوات التي يمكنها أن تجندها في الكنيست اليوم من منزلة واحدة. كل اقتراح إلى جدول الأعمال تطرحه في الكنيست يُرد عليه بخطاب يثير التثاؤب من الوزير المسؤول عن العلاقة مع الكنيست. واقتراحات حجب الثقة عن الحكومة لن تلقى الصدى إلا في برنامج «بلاد رائعة» التلفزيوني.
نجاح يحيموفيتش الأكبر لا يزال ليس في المجال الانتخابي بل في المجال اللغوي. فقد جعلت إحدى الكلمات الأكثر احتقارا في النقاش الجماهيري عندنا مفهوما شرعيا. الاشتراكية. في الثمانينيات هجم الليكود على الاشتراكية الهستدروتية بغضب شديد وكأنها الشقيق التوأم لعرفات. في انتخابات 1992 خبأ اسحق رابين اللون الأحمر تحت البساط – فالعمل ظهر في الدعايات والبث التلفزيوني الانتخابي بألوان ازرق – ابيض. ومنذئذ لم يطلق زعيم لحزب العمل كلمة اشتراكية في صحبة معقولة.
ربط سيدة مع رؤيا وسيد مع جهاز يمكن له ان يكون أهم ما في جدول الأعمال السياسي للاحتجاج الاجتماعي. في الصيف الماضي جرت المظاهرات دون الهستدروت وحزب العمل. وكانت أسباب ذلك ظاهرا تكتيكية – رغبة عيني ويحيموفيتش عدم وصم الاحتجاج العفوي بدوافع حزبية. وكان هذا سر دفين للاحتجاج وكذا سبب أفوله. فقد نجح نتنياهو بحلو الكلام من الوعود بتنويم الزعماء عديمي التجربة للجالسين في الخيام ومنذئذ لا تكف الأسعار في إسرائيل عن الارتفاع.
يمكن الافتراض بأنه كان هناك سبب آخر لعدم التدخل هذا. فقد اعتبر عيني في نظر المتظاهرين كعميل لأرباب المال، يعني زعيم عمال. أما يحيموفيتش فكانت رئيسة حديثة العهد للعمل ولعلها لم تكن بعد ناضجة لأن تقود الجماهير وراءها. في هذه الأثناء ضعف الاحتجاج وتعززت يحيموفيتش. كما ان جدول الأعمال الاجتماعي سيراكم القوة في ضوء موجة الغلاء التي ستلم بنا.
منذ ذلك الحين تغيرت الخريطة السياسية في إسرائيل تماما. فمن جهة نشأت مملكة نتنياهو التي تقيم وجودها على جدول أعمال أمني وقومي، وتحاول الإبقاء على الجمهور الإسرائيلي في خوف مستمر من الكارثة. ومن جهة أخرى يوجد مجتمع مدني كبير يرى في السلطة أداة إدارية مهمتها السماح للمواطنين بالعيش بكرامة وبوجود معقول.
شيلي يحيموفيتش تمثل اليوم في الكنيست هذا المجتمع المدني. لديها القدرة الخطابية على أن تقود هذا الموضوع، ولكن ليس لديها روافع الضغط التي يمكنها من خلالها ان تمنع الاخطبوط السلطوي من سحق الطبقة الوسطى. الرجل الوحيد الذي يمكنه اليوم ان يغلق الدولة هو عوفر عيني. خليط من الاثنين يمكنه ان يولد من جديد حركة العمل القوية التي كانت ذات مرة، في الفترة التي كان فيها العامل إنسانا ذا قيمة وليس مجرد فريق كرة قدم.
يمكن الافتراض بأن مجلة «تايم» ما كانت لتختار عيني كملك إسرائيل. ولكن هو بالذات، مع قوة انتخابه المتجدد، يمكن ان يتحول إلى إحدى الشخصيات الأهم في ساحتنا السياسية. أحد ما يمكنه ان يتوج الملك التالي، أو ربما الملكة التالية.  

السابق
كله إلا حكومة علماء
التالي
هل سيصحو اوباما؟