حَمَلَة الكلاشينكوف هل يترحّمون على حمَلَة الأراكيل؟

بعد اليوم، لا مجال لتكرار 7 أيّار 2008 ففي تلك الواقعة انكفأ الشارع السنّي أمام «حزب الله». أما اليوم، فهذا الشارع قرّر المواجهة… وسلفيّاً. وهكذا ابتعد النموذج اللبناني ليقترب النموذج العراقي، وما بين بين… النموذج السوري!
في الأيّام الأخيرة، كان شبح الحرب المذهبية يلوح من بعيد في الشوارع التي يؤرّقها طيف 7 أيّار: الرئيس سعد الحريري غائب قسراً عن ساحة الاعتدال السنّي، والسلفية عائمة. وأصحاب اللحى هم أبطال المسرح. وهؤلاء لوّحوا بأنّ المواجهة حتميّة مع أيّ كان يستهدف الطائفة. فزمن 7 أيّار قد انتهى!

إذاً، أيّار 2012 أخطر من أيار 2008. ففي قيادة الحريري، الخيار الأول هو تجنّب الفتنة المذهبية. ولكن تحت ولاية السلفيين، الأولوية هي لـ"منع استقوائنا"، مهما كانت النتائج والتداعيات. ولن يستطيع "حزب الله" المراهنة على تطويع الساحة السنّية كما حصل في بيروت قبل 4 سنوات. والمغامرة هذه المرّة، قد تودي جدّياً إلى حرب مذهبيّة.
سلاح وسلفيّة!

لكنّ "حزب الله" أضعَفَ الاعتدال السنّي من دون أن يقيم أهمية للتداعيات. وذات يوم، سأل أحد مسيحيي 14 آذار مسؤولاً في "الحزب": إذا كنتم تعتبرون أنّ هناك حالة سلفية "نائمة" لدى الطائفة السنّية في لبنان، فهل من مصلحتكم أن تحاربوا الاعتدال السنّي الذي يجسّده تيار "المستقبل" أم أن تدعموه لتبقى له القيادة؟

جواب المسؤول في "الحزب" كان الآتي: "تيار "المستقبل" هو زعامة برجوازية في الطائفة السنّية، تكوّنت في ظروف معيّنة. ونحن ندرك أنّ القوة التي تنمو فعلاً، وفي شكل مطّرد، داخل الطائفة هي السلفيون الذين يستميلهم "المستقبل" ويحاول استيعابهم سياسياً وانتخابيّاً. وذات يوم، عندما تتعرّض الحريرية لأوّل اهتزاز، ستكون الساحة السنّية للسلفيين. وما كان يضبط هؤلاء ويعطي الحريرية دفعاً سياسياً، حتى الأمس القريب، هو وجود سوريا في لبنان. وبعد ذلك، لم يعد هناك من قوة يمكنها القيام بذلك".

فُهِم من هذا الكلام أنّ "الحزب" مستعدٌّ للتطبيع مع الحريرية… إذا سلّمته الأوراق التي لطالما كان السوريون يسيطرون عليها في لبنان.

ومن هنا كانت المحاولات لدفع الرئيس سعد الحريري إلى التسويات التي أوصلته إلى دمشق، والتي تبيّن لاحقاً أنّها كانت محاولات لإعادة ما كان قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ولم يقتنع المسؤول الحزبي بأنّ إصرار "حزب الله"، وهو فئة مذهبية تتبنّى أيضاً عقيدة دينية، على التمسّك بسلاحه تحت أيّ ظرف كان، سيدفع عاجلاً أم آجلاً إلى تشجيع حالات مماثلة في المحور الآخر: سلاح وسلفية!

ولم يقتنع المسؤول أيضاً بأنّ لا طوائف تستطيع التباهي بأنّها أكثر قوة واستعداداً للقتال من سواها، أي: "ليس هناك أناس يحترفون حمل "الكلاشنيكوف" وآخرون حمل "الأراكيل"! فالمسيحيّون مثلاً كانوا المقاتلين الأكثر شراسة بامتياز في مرحلة معيّنة. وإذا كان "الحزب" يعتقد أنّ الشيعة أثبتوا قدراتهم في قتال إسرائيل وفرض سيطرتهم في الداخل بـ"هيبة" السلاح، فإنّ عليه أن يتبصّر جيّداً في الحالة العراقية أو الأفغانية: المقاتلون والانتحاريون موجودون أينما كان!

المستفيد من غياب الحريري

وفي الخلاصة: مضى "حزب الله" في النهج عينه. وليس واضحاً اليوم ما إذا كان "الحزب" مرتاحاً لبقاء الرئيس سعد الحريري في الخارج ونموّ المزاج السلفي لدى السنّة اللبنانيين، في طرابلس وعكار وبيروت وإقليم الخروب وصيدا والبقاع الغربي. فالمارد السلفي يخرج من القمقم. وستكون المواجهة بعد اليوم، إذا وقعت، مذهبية في امتياز. والاحتقان المذهبي السنّي ينمو منذ 14 شباط 2005، وبعد حوادث 7 أيّار 2008 ربما بلغ نقطة غير قابلة للسيطرة. وهو ما يشكّل خطراً للجميع، لا لـ"الحزب" وحده.

ويدرك "حزب الله" أنّ السوريين هم الذين أدخلوا المارد في القمقم، فقد تعاطوا مع الحالة السنّية في لبنان وسوريا من خلال وسيلتين: ضرب القوى التي تُعارضهم، سلفية كانت أم غير سلفية. وخلق قوى بديلة، سلفية وغير سلفية. وعادة، عندما تتغيّر الظروف، ينقلب السحر على الساحر. وقد نجح "الحزب" حتى الآن في الوصول إلى موقع متقدّم نتيجة دقّته في احتساب الأمور.

لكنه لا يُجيِّر نجاحه للأمن والاستقرار.

ولو قُيِّض لـ"ثورة الأرز" أن تلقى احتضاناً من جانب "حزب الله"، الاحتضان للاستيعاب لا للخنق، لكان لبنان 2012 أكثر أمناً واستقراراً وأقلّ سلفيّةً واستعداداً للمواجهة المذهبية. فهذه الثورة لم تسبق ثورات "الربيع العربي" في الزمن فحسب، بل سبقتها في النوع أيضاً: قد تكون "ثورة الأرز" هي الوحيدة غير المصابة بـ"شُبهة" السلفية، كما هو الوضع في مصر وليبيا وتونس واليمن، ولا بـ"تهمة" السلفية والمذهبية معاً كما هو الوضع في سوريا.  

السابق
وطن أبو الجواهر: من كراكاس إلى جرود عرسال
التالي
النهار: سليمان يحرّك المسار السياسي بحوار حزيران و14 آذار تشترط حكومة حيادية أولاً