الدولة.. احفظوا هذا الاسم جيّداً

قال شادي مولوي، إثر واقعة البراءة، إنه اعترف تحت الضغط والتعذيب بما نُسب إليه من انتماء إلى تنظيم أصولي، لكن لا شيء من ذلك صحيح.
مرّت العبارة المولويّة هذه وكأنَّ أحداً لم يسمعها. صحيح أنّها قِيلت سابقاً على ألسنة كثيرين أوقفوا وسُجنوا وحُقّقَ معهم، إلا أنّها اليوم بمعنى آخر، أكثر وضوحاً وكثافة… وخطراً.
فهي لا تعني أنّ الشاب ضعيف وقد انهار تحت التحقيق. ولا تعني أنَّ محاضر التحقيق معه قد باتت بلا جدوى قانونيّة واستخباريّة. فهذا شأن الجهات والأجهزة والإدارات. وفي هذا الإطار، لا يمكن أن يُنسى أن مولوي قد أُخرج من التوقيف والسجن بقرار "سياسي" ولأهداف يتعلّق بعضها بالحفاظ على تركيبة الأكثرية الحاليّة والحكوميّة وحيثيّات الشماليين فيها على وجه الخصوص.
ولا تعني تلك العبارة المفتاحيّة في وعي لبناني عام و"سلفي" خاص، أن أجهزة الأمن تمارس التعذيب في السجون والنظارات. هذا البُعد الحقوقي الإنساني لا نلتفت إليه في لبنان، فكيف الحال في مواقف "بطوليّة" ذكوريّة من هذا النوع الاشتباكي مع الأجهزة الأمنيّة، الذي نشهده في الشارع وفي كل مكان.

ما تعنيه تلك العبارة هو أنَّ الدولة، بما هي مؤسّسات وقانون ومشروع، قد عُلِّقت لأجل غير مسمّى. ومن علّقها ليس شادي مولوي، بل من هم في الحكم والحكومة. وليس شادي مولوي وإخوانه، سواء أكان في الشارع أم في أماكن أخرى، سوى "مستفيد". وهنا السر ومربط الفرس. فالجزء الحاكم اليوم من الطاقم السياسي لا يضيره في هذه الظروف أن يستفيد جانبيّاً شخص آخر، ما دامت "المصلحة الكبرى" هي ألا يتضرر هو وزعاماته. وربما منطق هذا الجزء من الطاقم السياسي، في هذه الظروف المصيرية، هو أن شادي مولوي وإخوانه قلّة محدودة الفاعليّة ويمكن ضبطها وضغطها وربّما تليينها بالمال أو بالتعاون مع إدارتهم الإقليميّة. لكنَّ هذا المنطق فيه الكثير من إقناع الذات وتمويه الحقيقة بغاية إمرار اللحظة. وهذا في حدّ ذاته يضاعف خطورة الأمور.

فالخطر الأكبر ليس من أن يجد إخوان مولوي فرصة لهم تحت غطاء الأمر الواقع الذي فُرض شمالاً في الأيام الماضية، على أهمّيته. ولا الخطر في انتقال التناقض إلى داخل الأكثرية الحكوميّة وإفادة هذا الطرف من حاجة الطرف الآخر إليه فيطلب منه ما يسيء على مَن يُطلب إليه، وإن اعترض حليفهما الثالث. الخطر الأكبر هو في تضخّم "الشوارع" المذهبيّة إلى درجة باتت أكبر من قدرة الجسم الطائفي للنظام على الاتساع له واحتماله. فالشارعيّة وحركاتها ونموها ومصالحها باتت أقوى من الطاقم السياسي.

وإذا كان وليد جنبلاط استشعر ذلك قبل فترة، فراح يلاعب "خصوصيّة" حالته المذهبية، بمواقف سياسيّة داخليّة وإقليميّة سعياً لامتصاصها وتحجيمها، ولعلّه نجح إلى حدود بعيدة، فإن فريقين آخرين في ائتلاف الأكثرية الحكوميّة، "حزب الله" والتحالف الشمالي، وجدا نفسيهما في مواجهات أخرى. وإذا كانت مواجهة التحالف الشمالي داخل "خصوصية" حالته المذهبيّة المتحرّكة على إيقاع الحراك السوري وكواليسه العربيّة الخليجيّة والامتدادات الدوليّة، فإن مواجهة "حزب الله" اجتماعيّة في "الداخل الشيعي" (سياسيّاً تحت السيطرة)، و"سنيّة" وطنيّاً وإقليميّاً. ونظراً إلى حاجته إلى الأكثرية وحكومتها، تراه مضطرّاً إلى تلبية طلبات الحليف الشمالي ونظرائه المذهبيين، حتى ولو كان ذلك ضد "مصالحه" الداخليّة والإقليميّة، وينال من الدولة والمؤسّسات "المحسوبة" على الطائفة الشيعيّة ولها. وكان أهون عليه أن يمرر فوز فايز كرم بالبراءة من تهمة العمالة كرمى لعيون حليفه ميشال عون.

وسط هذا المشهد السياسي المذهبي يحصل السقوط الدراماتيكي للدولة. وإذا كان البعض أسقط اغتيال معروف سعد على حادثة مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد، وحادثة بوسطة عين الرمّانة على الأجواء السائدة الآن في البلد، فإن التحليل لا يمكن أن يُغفل إطلاق سراح شادي مولوي الذي قبض عليه الأمن العام. فهذه الواقعة لا تدلل على استخدام الطاقم السياسي الدولة ومؤسساتها وأجهزتها وتعليقه القانون والاستراتيجيّة الأمنيّة في سبيل مصالحه المتنوّعة وحسب، بل تدلل أيضاً وأولاً على أن الواقع المنفلت قد بات أقوى من السيطرة عليه، أقوى من الطاقم السياسي، في الأكثريّة والأقليّة على حد السواء، وبالطبع أقوى من الدولة ومؤسساتها الوطنيّة، بعدما عشنا عقوداً في ظل حكم طاقم سياسي أقوى من الدولة ومؤسساتها "الخدماتيّة".
شادي مولوي.. احفظي هذا الاسم أيّتها الدولة. وأنا سأحفظ اسمك جيّداً.  

السابق
بلدة الغجـر المحتلّة ضحيّة الحـدود
التالي
سنّي غاضب_ 2: نحن جيل ضائع