ميقاتي: هذه استقالتي… ولكن!

لا يتردّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في إبداء استعداده للاستقالة التي لا يمكن الإقدام عليها ما لم توفّر المعارضة التي تطالبه بالخطوة المشروع البديل، وإلّا ستدخل البلاد مرحلة من الفراغ يمكن تحديد بداياتها من دون النهاية. ما هي الظروف التي تحكم المعادلة التي قادت إلى هذا الطرح؟

يؤكّد مقرّبون من ميقاتي أنّ الحديث عن استقالة الحكومة غير وارد في ذهنه، ولا لدى أيّ من العاملين في فريقه، ولا في حسابات أيّ طرف من أطراف الحكومة.

لكن وطالما أنّ الأمر مطروح على مستوى المعارضة، فإنّ النقاش الموضوعي يقود إلى الحديث عن جدوى بقاء الحكومة الحاليّة في ظلّ استحالة تغييرها.

ويضيف هؤلاء أنّ الظروف الحاليّة تدفع بقوّة إلى الحفاظ على الحكومة كما هي وأيّاً كان الثمن قبل التفكير في أيّ عملية تبديل حكوميّ وخصوصاً في الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد وفي ظلّ الغليان الذي يسود المنطقة.

جدوى استمرار الحكومة

ويتوسّع المقرّبون من ميقاتي في الحديث عن جدوى استمرار الحكومة وفق معادلة سياسية وأمنية ووطنية يمكن الإشارة إليها على خلفية السعي الدائم منذ قيامها إلى تعزيز الاستقرار في البلاد وتطويق ذيول الأحداث التي شهدتها أخيراً في أكثر من منطقة لتعود للتفرّغ إلى الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ويضيف هؤلاء: "ها هي الحكومة تعمل بكامل قواها ومكوّناتها في ظلّ المرحلة الصعبة من أجل تسيير أمور الدولة، وهي التي حفظت مقوّمات استمرار العمل في مؤسّساتها الدستورية على رغم المصاعب التي واجهتها لأسباب داخلية وإقليمية ودولية.

وكلّ ذلك يجري، منعاً لبلوغ مرحلة من الفراغ الدستوري ومخافة أن تتحقّق أماني البعض الساعين إلى هذا الفراغ لأهداف تتجاوز المصلحة اللبنانية".

على هذه الخلفيّات، يصرّ المقرّبون من رئيس الحكومة على اعتبار أنّ المطالبة باستقالة الحكومة اقتصرت حتى اليوم على أطراف لا تنظر سوى إلى مصلحتها الخاصة، ولا تتطلّع إلى الأمر إلّا من باب سعيها إلى استعادة موقع افتقدته في السلطة، وتعتبر أنّ من يشغله اليوم يتربّع على كرسيّ سطا عليها، وهي تسعى ما أوتيَت من قوّة إلى استعادة ما تسمّيه حقّا مكتسباً ضاع في غفلة من الزمن.

المعارضة لا تعترف بأيّ إنجاز

ولذلك، يصرّ هذا الفريق المعارض على الإضاءة على كلّ الملفّات المتعثّرة ولم يعترف للحكومة يوماً بما أنجزته على الإطلاق على كلّ المستويات السياسية والأمنية. كما أنّه لم يعترف لها يوماً بما أنجزته تحت مظلّة سياسة النأي بالنفس التي أثبتت الأشهر الأخيرة أهمّيتها ونجاحها باعتراف الأقربين والأبعدين، والتي جنّبت لبنان إلى اليوم كثيراً من المطبّات الخطيرة كان يمكن أن تؤدّي إليها التقلّبات في المنطقة ولا سيّما في سوريا.

ولذلك يقلّل أصحاب هذه النظرية من أهمّية خروج وزير من هنا أو هناك على سياسة النأي بالنفس والتوجّهات الكبرى للحكومة، معتبرةً أنّ أيّ خروج عن هذه التوجّهات بمواقف متمايزة في بعض القضايا المطروحة، لم يقد الحكومة مجتمعة حتى اليوم إلى أيّ خطأ أو زلّة قدم.

شهادات في النأي بالنفس

ويسألون: "تصوّروا لو أنّ الحكومة اللبنانية قد اتّخذت قراراً يوماً ما، بناءً لطلب هذا الفريق أو ذاك من جانبي الاصطفاف القائم في البلاد بالوقوف إلى جانب النظام في سوريا أو الثورة، ما سيكون عليه الوضع.

من هنا ألا يجدر بالمعارضة أن تقدّر الجهود التي بذلت على أكثر من مستوى للحفاظ على الحدّ الأدنى من حياد لبنان والنأي به إزاء المتغيّرات في المنطقة؟ وألا يجدر بالمعارضة أيضاً، أن تعترف بالشهادات التي نالتها الحكومة ومنها الشهادة التي تبلّغها رئيس الجمهورية عبر رسالة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي دعا إلى تعزيز سياسة النأي بالنفس حفاظاً على أمن لبنان واستقراره".

على هذه الخلفيّات، يرى أصحاب النظرية الداعمة لبقاء الحكومة وحمايتها، أنّه "وإن طغى الملفّ الأمني على ما عداه من الملفّات في الأيّام الأخيرة، فإنّ انحسار هذه الموجة قريباً سيعيد طرح الملفّات الاقتصاديةوالإدارية والمعيشية والمالية على بساط البحث بقوّة.

وأنّ الملفّات الخاصة بها قد أنجزت وستكون موضع مشاورات مكثّفة ليس للبحث فيها فحسب، إنّما من أجل التقرير في مخارج وحلول باتت على نار حامية بدءاً من إنجاز الموازنة العامّة التي ستكون على بساط البحث في وقت قريب.

البحث بالاستقالة ليس جريمة

من هنا، يحرص رئيس الحكومة على عدم النقاش في موقفه من الجيش والمؤسّسات الأمنية كافّة، فالقرارات بشأنها لا ولن تخرج عن الحرص الدائم على هذه المؤسّسات واحترام قراراتها أيّاً تكن. فلكلّ من هذه المؤسّسات دوره ومهمّته كما حدّدها الدستور، وهي تحترمها بكلّ أمانة، ذلك أنّ أيّ خروج عن هذه المبادئ سينعكس على مصير البلد وليس الحكومة فحسب.

وبناءً على كلّ ما تقدّم، يعتبر رئيس الحكومة أنّ أيّ بحث في مصير حكومته أو استقالتها لا يُعدّ جريمة وليس مستحيلاً، ولكنّه رهن النقاش بما يمكن أن تقدّمه المعارضة من مشروع متكامل قابل للتنفيذ.

لكنّ ذلك وحتى اللحظة يبدو أمراً مستحيلاً طالما أنّ الخطاب المرفق بالدعوة إلى الاستقالة مبنيّ على الشتائم بدلاً من أن يكون مبنيّاً على حماية الثوابت الوطنية التي تتّصل بالتوازنات الطائفية التي تتحكّم بالمواقع الأساسية في لبنان، ورئاسة الحكومة واحدة من هذه المواقع الوطنية قبل أن تكون الموقع السنّي الأوّل في لبنان.

وبرأيه فإنّ أيّ توجّه يقود إلى الفراغ في الرئاسة الثالثة لن يقتصر عليها، بل سيودي بالبلاد إلى المجهول، وهو أمر خطير، لا يعتقدنّ أحد أنّ فيه مصلحة على الإطلاق.  

السابق
سخرية
التالي
كوندومينيوم روسي- أميركي في سورية؟