مسؤول عسكري: الشمال يتعافى..

منذ إلقاء القبض على شادي المولوي في طرابلس، قبل عشرة أيام، وصولاً إلى «معركة» الطريق الجديدة، وما بينهما من أحداث، كان أخطرها مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد في الكويخات في عكار، ثمة خط بياني دقيق متصاعد يدعو للقلق من لحظة الوصول إلى خط النهاية.
في البدء، كثر الكلام عن مخطط يستهدف الجيش ويهدف إلى شل حركته في الشمال، وصولاً إلى تنفيذ المنطقة العازلة التي تسمح بحرية حركة المقاتلين والسلاح من لبنان إلى داخل الأراضي السورية. ومع توسع رقعة المواجهات لتصل إلى الطريق الجديدة زاد منسوب القلق من مخطط مستجد لإنهاء الاستقرار في لبنان كله وليس في الشمال فحسب، وبالتالي الإطاحة بمعادلة النأي بالنفس التي كانت ضامنة للاستقرار.
لم تنجح مواجهات طرابلس بين باب التبانة وبعل محسن في إدخال الجيش في صراع الأزقة، وبالتالي تحويله إلى طرف في المواجهات الدائرة، تمهيداً لإبعاده عن دوره في حفظ الأمن شمالاً.
وقعت حادثة إطلاق النار على الشيخ عبد الواحد، فظن البعض أن المخطط نجح، مع قرار سحب الجيش من الطرق والساحات العكارية مؤقتاً، «منعاً لاستفزاز أهالي الضحايا». انتشر المسلحون بكثافة علناً، بالتزامن مع مواقف نارية تتعرض للجيش وتحاول اللعب على الوتر الطائفي.

بعد يوم واحد، عادت الأمور إلى طبيعتها. اختبأ المسلحون وعاد الجيش لمتابعة مهمته الأمنية في عكار. ثبّت الحواجز وأطلق الدوريات. أما من شهّر بالمؤسسة العسكرية، فسرعان ما عاد وأكد على «الدور الرئيسي لهذه المؤسسة الوطنية في حفظ أمن اللبنانيين واستقرارهم».
يحرص مسؤول عسكري بارز على التمييز بين عمل القضاء في ما يتعلق بإطلاق النار على عبد الواحد وبين وظيفته الأمنية التي يقوم بها في كل لبنان وفي الشمال خصوصاًَ. ويجزم أنه «مخطئ من يظن أن المنطقة العازلة يمكن أن تتحقق من خلال ليّ ذراع الجيش»، مشيراً إلى أن «هذه الخطوة ليس الجيش من يقررها بل الإرادة السياسية».
بعد أيام من التوتر في عكار على خلفية الحادثة، يرى المسؤول العسكري أن المؤسسة العسكرية نجحت في امتصاص غضب الناس، بعدما سمحت في تحويل الضباط والعسكريين المسؤولين عن الحاجز إلى القضاء العدلي بدل القضاء العسكري، الذي كان يفترض أن يتولى التحقيق في «الخطأ» الذي ارتكب ومعرفة أسبابه وملابساته.
وإذ يعترف المسؤول نفسه أن ردة فعل عناصر الحاجز قد يكون مبالغاً بها نتيجة التوتر الذي يعيشونه في ظروف كهذه، يرفض التطرق إلى تفاصيل «هي في صلب التحقيق القضائي»، مؤكداً أن «الوحيد القادر على إعطاء رواية دقيقة لكل ما حصل هو التحقيق». ومع ذلك يكتفي بالإشارة إلى أن الحاجز كان لديه تعليمات صارمة بمنع مرور السلاح إلى حيث كان يقام احتفالان في حلبا لكل من الحزب القومي والنائب خالد الضاهر، بعدما فشل الجيش في إقناع الطرفين بتأجيل موعد الاحتفال منعاً لتزامنهما.

الأوامر نفسها كانت تقضي، يضيف المسؤول العسكري، «بعدم إطلاق النار إلا دفاعاً عن النفس»، مؤكداً أن وجود السلاح في حوزة الشيخ عبد الواحد استدعى اتصالات متتالية بين الحاجز وآمر السرية وصولاً إلى قائد الفوج فالقيادة، حيث صدر في نهايتها قرار السماح لأي رجل دين بالمرور حتى لو كان مدججاً بالسلاح، منعاً لزيادة الاحتقان، مع التشديد، في المقابل، على منع المدنيين من المرور بسلاحهم حتى لو كان مرخصاً.
وبعيداً عن تفاصيل ما جرى، يرفض المسؤول العسكري كل ما تردد عن توجه قيادة الجيش لجعل الموقوفين كبش فداء للمؤسسة، بعد المطالبات الداعية الى تجريمهم، حتى قبل أن يصدر الحكم. وإذ يؤكد أنه لن يكون للسياسة أي دور في هذه القضية أو ما يصدر من قرارات عن المحكمة، إن كان بالتجريم او بالبراءة، يذهب أبعد من ذلك للقول إن المؤسسة لن تتردد في تعيين محام عن «المتهمين» إذا ما وجدت ضرورة لذلك.
تداعيات الحادثة على الشارع تتضاءل يوماً بعد يوم، يقول المسؤول، مشيراً إلى أن أبناء عكار هم من يصرون على بقاء الجيش، لأنهم يعرفون تماماً أنه إذا خرج من المنطقة سيكونون أكثر المتضررين. وإذ يرى أن أصحاب المصلحة في الصدام مع الجيش لا يشكلون إلا قلة من أهالي عكار، يذكر أن 40 بالمئة من عديد الجيش هم من أبناء المنطقة وهم لا يسمحون بالتطاول على المؤسسة التي تنتمي إليهم وينتمون إليها.
بثقة العارف، يعلن المسؤول العسكري أن «الشمال بدأ يتعافى مما ألمّ به خلال الأسبوعين الماضيين». كما يجزم أن الجيش ينتشر في كل المناطق الحساسة إن كان في طرابلس أو في عكار، وسط ترحيب عام من الناس، الذين أعادت الأحداث الأخيرة إلى ذاكرتهم أيام الحرب الأهلية، التي يصرون حالياً على منع تكرارها.

الأمر سيّان بالنسبة لكل السياسيين، الذين أحسوا بالخطر الجدي مما جرى، علماً أنهم يسعون حالياً لتحسين شروطهم… لأن أياً منهم لا يريد حالياً أن يخرج خاسراً، يقول المسؤول العسكري نفسه.  

السابق
لا تخف يا صديقي غابي
التالي
المستقبل وحده يريد إسقاط الحكومة