لبنان.. المسار الخاطئ

تتصاعد حدة التوتر في لبنان ضمن مسلسل درامي لم يكن مفاجئاً بل كان متوقعاً في كثير من حلقاته في ظل الشحن المذهبي الذي انطلق مع انطلاقة الحوادث في سورية وازداد حدة بعدما لمس سعاته أنهم فقدوا ما كانوا يراهنون عليه من تغيير لمجرى الأمور في ذاك البلد.
لم يكن مفاجئاً ايضاً ما خرج من عاصمة الشمال طرابلس من عناصر مسلحة تنتمي الى تنظيمات سلفيّة متشدّدة رفعت شعار مظلوميتها زوراً، بعد اعتقال الشاب شادي المولوي الذي أعيد الى أهله ومنطقته مخفف التهمة وأداً للفتنة التي برزت أنيابها حتى ضمن الإطار الواحد وشعر بها مسؤولو هذا الإطار قبل غيرهم، ناهيك عن معالجتهم لهذه القضية التي لعبت فيها مصالحهم الدور الأبرز، إضافة الى إبلاغهم عن استباحة دمهم من أحد الامراء إن لم يخرج ناشطهم المتعدد المواهب من زنزانته معززاً مكرماً.

مصالح هؤلاء في الانتخابات النيابية المقبلة كان لها ثقلها في ممارسة ضغوطهم على ما يديرون من أجهزة الدولة واستعجلوا لكسب رضى مَنْ وراء المولوي، في حين أن التحقيقات لم تنجل بعد، والأمن العام اللبناني الذي بادر الى توقيف مولوي لم يقل كلمته حتى الآن وهو مطالب بتوضيح ملابسات ما جرى أمام الرأي العام حرصاً عليه كمؤسسة رائدة في خدمة الشعب اللبناني وحفاظاً على ما تبقى من هيبة الدولة التي تتعرض لمحاولة تقويضها على ما يبدو بقرار دولي – عربي يعكس الحلف نفسه الذي خاض المعركة ضد الدولة في سورية.
كثر هم اللبنانيون الذين تفاجأوا بإخلاء سبيل الشاب المولوي، لكن الجميع شعر بحجم الضغوطات التي انهالت على البلد من الداخل ومن الخارج الذي ضغط لإخراج القطري عبد العزيز العطية الذي كاد توقيفه يحرم حوالى 50 ألف لبناني من رزقهم في دولته قطر. هذا ما هددت به تلك الدولة التي دأبت على «مساعدة» لبنان «بلا مقابل» طبعاً.

تؤكد مصادر أمنية وقضائية لبنانية أن ملف قضية تهريب السلاح الى جماعات سلفية وأصولية متشددة في لبنان وفي سورية لم يطو بعد، وأن هذه القضية ستتم متابعتها ولو بعد حين لما فيه مصلحة الاستقرار في البلد وفي المنطقة إلا أن اسلوب متابعة هذا الملف المليء بالمعطيات سيختلف.
وتشير المصادر الى تزامن الحملة الطرابلسية على أجهزة الدولة ممثلة بالأمن العام في قضية توقيف المولوي وآخرين على خلفية تهريب السلاح وتوزيعه، بالحملة على الجيش حتى قبل حادثة الكويخات التي لم يعلن عن كل وقائعها حتى اللحظة للضرورات نفسها التي أملتها قضية الإفراج عن مولوي وشركائه، ذلك أن قضية هؤلاء ترتبط ارتباطاً مباشراً بقضية باخرة الأسلحة «لطف الله2» التي تم كشفها نتيجة معلومات وفرتها أجهزة دولية لا يمكن أن تكون السفارة الاميركية بحسب ما روّج، لأن ذلك يناقض توجهات الولايات المتحدة التي اصبح السلفيون مشروعها لحكم أنظمة المنطقة تحت عنوان أنهم مطلب شعبي وذلك يعتبر ترجمة حقيقية لما يؤمنون به من «ديمقراطية».

لا يبدو المسار الذي خطته الحوادث الأخيرة سليماً لناحية مستقبل لبنان خاصة خلال الشهور القليلة المقبلة حيث الأمور تدفع باتجاه التأزيم، في حين بات الجميع يستحضر صورة الحرب الأهلية ولو بألوان مختلفة، فمن يعتقد أن ترقيعه للأمور قد نأى بالحكومة عن السقوط فهو حكماً مخطئ لأن ما حصل قد منح من يرد إسقاطها نفساً عميقاً وجهوزية اكبر للانقضاض عليها وبكلفة أقل بعدما تبين عجز رئيسها وسطحيته، فيما اتخذ هؤلاء جرعة إضافية من خلال رسالة الملك السعودي الذي لم يقرأ إلا في كتاب «أهل السنّة» الذين يجب أن «يمتلكوا» البلد برأيه في إطار صراع محتدم في المنطقة تندرج في سياقه وجهة انتماء لبنان.   

السابق
80% من الأعمال بحوض الاستحمام او السرير
التالي
وفود عربية ولبنانية تجول في معلم مليتا السياحي