شيء ..غريب !

حين يكتب الأدباء خواطرهم، وحين يضفي أصحاب الأقلام بظلال الفكر على الورق فإن القارئ أمام محاور كثيرة تتجلى له أثناء القراءة وتتنوع أمامه نحو فهم للنص؛ وبلا شك أن كاتباً مثل سيد قطب حين يكتب سيضع أمام كل قارئ فهماً خاصاً يمتاز باستنتاجات مغايرة عمّا يستخلصه قارئٌ آخر، وبعيداً عن الانحياز لسيد قطب أو التوجس منه، وفي هذه العجالة التي لا تفي بالغرض نحن أمام شخصية تكتبُ ليقرأ أهل اللغة والبلاغة أولاً قبل أهل الدين والإفتاء، لذلك ليس من السهل على رجال الدين المتعمقين في الفقه والإفتاء أن يدفعوا نصاً من نصوص سيد قطب نحو فهم محدد ويحتكروا إسقاطاته من غير الرجوع إلى أهل اللغة لفهم اختلاف مدلولات الألفاظ حسب سياق الكلام، وإلاّ سيُضَيِّقونَ واسعاً وربما بحكم ريادتهم الدينية في الفقه سيدفعون الناسَ إلى مفاهيم بعيدة بعد سكْبِها في قوالب خاصة.

نحن من جديد أمام إرثٍ لُغوي قبل أن يكون فكرياً ولغة عميقة تحتاج لمن يسبر تلك الأعماق، لذلك حين وصف سيد قطب بأننا اليوم في مجتمع جاهلي لا يُفهم من سياق كلامه أن المجتمع اليوم كافر؛ لأن تلك الحال التي كان عليها العرب قبل الإسلام كانت جاهلية لعموم الفوضى وليس لعموم الكفر فيهم لأن كثيراً منهم كانوا على ملَّة أبينا إبراهيم، ومع ذلك كان المجتمع جاهلياً لعموم الفوضى التي عمَّتْهُ، واليوم هل المجتمع الذي نعيشه مجتمع واعٍ يسوده العلم والوعي والإيمان؟ بالتأكيد الجواب: لا مجتمعاتنا اليوم مجتمعات فوضوية؛ وبالمفهوم الديني الذي عالجه سيد قطب في كتاباته يدفع نحو أن مجتمعاتنا اليوم تُقدِّمُ الأهواءَ والنزوات والمادية على الأخلاق وعلى الدين وحتى على مصالح الوطن! فكيف لا تكون هذه المجتمعات جاهلية غير مدركة لمفهوم (لا إله إلا الله) لجهلها السافر في معنى (لا إله إلا الله) وليس لأنها كافرة تسجد لغير الله أو تُنكر شيئاً من الدين بالضرورة! إن فهم سيد قطب لجاهلية القرن المنصرم والممتدة إلى ما شاء الله لا يمكننا أن نؤوِّلَه ونصرفَ معناه نحو تكفير المجتمع أو استباحة دمائه أو عِرضِه، وكتابات سيد موجودة وليس فهمُها حكراً على أحد.

ومن العجيب حقاً ما نحا نحوه بعض العلماء اليوم في قولهم: أنهم يشتَمُّون راحة الدم من كتابات سيد قطب! وماذا عن فتوى هؤلاء العلماء بجواز حمل السلاح في ليبيا؟ فتواهم بجواز خروج الشعب على حاكمه! وفتواهم بحمل السلاح في سورية! وفتواهم.. وفتواهم.. وفتواهم.. يعني علماؤنا الكرام يشتَمُّون رائحة الدم في كتابات سيد قطب! ولَمْ يشتَمّوا رائحة الدماء والأشلاء من فتواهُم؟!! حقاً شيء.. غريب!

السابق
خطر امتداد النزاع السوري إلى لبنان
التالي
العثور على حشوة قذيفة قديمة العهد مرمية قرب مهنية صيدا