السفير: لعنة الأمن المفقود تطارد اللبنانيين .. بانتظار صدمة سياسية

ظلت لعنة الفلتان الأمني تطارد اللبنانيين، في الداخل والخارج على حد سواء، وهي لاحقتهم أمس حتى العراق، حيث سقط عدد من الضحايا اللبنانيين في انفجار استهدف حافلتهم قرب بغداد خلال توجههم الى الأماكن المقدسة، غداة اختطاف 11مواطنا لبنانيا في منطقة حلب، ظلوا حتى ليل أمس «قيد الأسر»، فيما استمر الشارع مكانا لتسجيل المواقف ومصدرا للتوتر المتنقل الذي بلغ أمس الجامعة اليسوعية ولامس ليلا رأس بيروت، ما يعكس حدة الاحتقان السائد في البلد والذي بات تنفيسه يحتاج الى «صدمة سياسية»، أبعد من المسكنات الموضعية.

واستدعى هذا الواقع، نقل اجتماع مجلس الوزراء من السرايا الحكومية الى القصر الجمهوري، حيث فرض البند الأمني نفسه على الجلسة التي ترأسها الرئيس ميشال سليمان، وتم عرض الأحداث التي وقعت في طرابلس وعكار وبـيروت وظروف توقيـف شادي المولوي ثم إخـلاء سبيله. وعلم ان النقاش احتدم في بعض الأحيان، خصوصا بين وزراء «التيار الوطني الحر» و«جبهة النضال الوطني»، وتخلل الجلسة اتصال مع قائد الجيش لاستيضاحه بعض الأمور.

وقد طالب وزراء «التيار الوطني» بتطبيق المادة الرابعة من قانون الدفاع وبالتالي تكليف الجيش بالانتشار في عكار وضبط الأمن. وقال الوزير جبران باسيل في مداخلته: إما أن نكون حكومة فعل ومبادرة للحفاظ على الاستقرار والأمن بالفعل وليس بالقول، وإما ان نكون حكومة عاجزة. وأضاف: عكار أصبحت منطقة فالتة أمنيا، وهي متروكة لمشاريع المنطقة العازلة والجيش السوري الحر، ما يعني اننا أمام خيارين، فإما ان نتركها للمسلحين، وإما ان يستعيد الجيش سيطرته عليها.
ورفض وزراء «جبهة النضال الوطني» بشدة هذا الطرح، حيث اعتبر الوزير وائل ابو فاعور في مداخلته ان الجيش يحظى بالدعم السياسي الكامل، ويجب ان نساعده عبر احتضانه وتأمين التغطية السياسية له، وليس من خلال تعقيد مهمته وتحريض الناس عليه بشكل غير مباشر، متسائلا: كيف يمكن أن يكون رد فعل أهل عكار إذا خرج وزير الاعلام وأعلن عن اتخاذ قرار بتطبيق المادة الرابعة من قانون الدفاع؟ وأضاف: عكار ليست قندهار، وطرابلس ليست تورا بورا.. لنترك الجيش يقوم بواجباته ويتخذ الاجراءات التي يرتئي انها مناسبة.
وهنا، رد عليه باسيل: منطقة البقاع تخضع لمفاعيل المادة الرابعة، فهل هي قندهار؟
ورفض وزراء «أمل» و«حزب الله» و«التيار الحر» الحملة على الجيش والتعرض له، مطالبين بدعم إجراءاته في كل المناطق من أجل الحفاظ على السلم الأهلي.

وأبلغتنا مصادر وزارية ان وزراء التيار كانوا يميلون الى طلب طرح مسألة تكليف الجيش بالانتشار في عكار لضبط الامن، على التصويت، لا سيما ان موقف وزراء «حركة أمل» و«حزب الله» كان داعما لهم، ولكن تقرر – وفق المصادر – الانتظار حتى الاسبوع المقبل، حتى يكون مسار الوضع الميداني قد اتضح، ليبنى على الشيء مقتضاه.
واستغرب وزراء «التيار الحر» تكريم شادي المولوي بعد إطلاق سراحه، والتعامل معه كأنه بطل، «علما انه متورط بالحد الادنى بتهريب السلاح الى سوريا»، منبهين الى ان طريقة التصرف معه تشجع الناس على ان يحذوا حذوه حتى يصبحوا ابطالا.

وسأل الوزير غازي العريضي: هل المولوي متورط أم لا.. وإذا لم يكن مدانا لماذا جرى توقيفه.. وإذا كان مدانا لماذا تم إطلاقه؟
وتوقف وزراء «جبهة النضال» عند حادثة خطف مجموعة من اللبنانيين في سوريا، مشيرين الى انها ليست محنة شيعية بل وطنية، وأشادوا بطريقة تعامل رئيسي الجمهورية والحكومة والرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله والرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة مع هذه القضية، داعين الى ان يكون هذا التعاطي المسؤول بداية لمرحلة جديدة، سمتها كسر القطيعة وتجديد التواصل.

وفي البيان الصادر عن الجلسة، شدد مجلس الوزراء على دور الجيش اللبناني في حفظ الامن والسلم الاهلي والاستقرار، وعلى دعم الاجراءات التي
يتخذها على كامل مساحة الوطن، وتأمين كل الامكانيات اللازمة له للقيام بمهمته. وطلب مجلس الوزراء من وزيري الدفاع والداخلية رفع الاقتراحات اللازمة من اجل دعم مهمات حفظ الامن مع تأكيد ثقته بأن الجيش والقضاء سيتابعان مسألة جلاء ملابسات الحوادث التي حصلت وسقوط الضحايا بكل مسؤولية وصدقية.
الاجتماع الأمني
وفي سياق متصل، كان لافتا للانتباه الاجتماع الامني الموسع الذي عقد في مكتب قائد الجيش العماد جان قهوجي في اليرزة، في غياب أي حضور سياسي رسمي، وبمشاركة كل قادة الاجهزة الامنية الذين توافقوا على اتخاذ سلسلة من الاجراءات المشتركة لطمأنة المواطنين الى أمنهم واستقرارهم في مختلف المناطق.
وقالت مصادر أمنية واسعة الاطلاع لـنا ان الهدف الاساسي من الاجتماع هو تعزيز التنسيق بين الاجهزة الامنية والعسكرية، والتفاهم على تبادل المعلومات بالحد الأدنى الضروري عندما يكون أي منها بصدد تنفيذ خطوة نوعية، حتى لا يتحمل أي جهاز تبعات تحرك غير منسق، مشيرة الى ان الوضع الداخلي حساس ويتطلب رفع مستوى الجهوزية والتعاون لمواجهة المخاطر الداهمة، مع احتفاظ كل جهاز بخصوصيته وهامشه في التحرك.
وكشفت المصادر عن انه تقرر اتخاذ مجموعة من الإجراءات غير المعلنة للسيطرة بشكل أفضل على الموقف، موضحة ان المشاركين في الاجتماع وضعوا خططا للتعاون الميداني وتوزيع الادوار وتنظيم التدخل على الارض، وفقا لطبيعة كل حالة، فحيث يمكن لقوى الامن ان تتدخل، لا ضرورة للزج بالجيش والعكس صحيح.
وأشارت المصادر الأمنية الى ان المجلس الأعلى للدفاع كان قد فوّض الاجهزة الامنية والمؤسسة العسكرية اتخاذ الاجراءات المناسبة لضبط الأمور ومنع انفلاتها، وبالتالي فإنه لم يكن من الضروري مشاركة المستوى السياسي في اجتماع امس.

قهوجي للعسكريين: العبث بالأمن ممنوع
في هذا الوقت، وجه قائد الجيش العماد جان قهوجي «أمر اليوم» الى العسكريين، لمناسبة الذكرى الثانية عشرة لعيد المقاومة والتحرير، خاطبهم فيه بالقول: اعلموا ان مهمتي الدفاع والامن الموكلتين اليكم، تتكاملان معا في سبيل الحفاظ على السيادة الوطنية والمصلحة العليا للبلاد، فكما لا يجوز على الاطلاق التفريط بذرة واحدة من ترابنا الوطني، وقطرة واحدة من مياهنا وثرواتنا الطبيعية، كذلك لا يجوز لاي كان العبث بأمن المواطن ورزقه وكرامته، واستغلال مناخ الديموقراطية والحريات العامة التي ينعم بها لبنان، وما يعصف بالمنطقة العربية من ازمات، للايغال في تهديم اركان الدولة وتصديع وحدة الوطن، وضرب مكتسباته والتلاعب بمصير اجياله، وقد جاءت أحداث منطقة الشمال العزيزة بالامس القريب، لتؤكد مرة اخرى رهان الجميع على دوركم في وأد الفتنة وفرض الاستقرار، فكونوا على قدر هذا الرهان، واحرصوا اشد الحرص على ارواح اهلكم، من خلال أداء مهماتكم بمنتهى الدقة والمسؤولية.

السابق
النهار: فلتان أمني متجوّل وعجز رسمي فاضح
التالي
الاخبار: فيلتمان ليكس: محضر لقاء مع السنيورة