زهق الباطل: شادي عاد بطلاً! 

قبل 11 يوماً أوقف عناصر الأمن العام شادي مولوي بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح. أمس عاد مولوي إلى مدينته بطلاً محمولاً على الأكتاف. بين التاريخين عاشت عاصمة الشمال أجواء توتر أمني كبير، واشتباكات هي الأعنف منذ أيار 2008، أدت إلى سقوط 11 قتيلاً وأكثر من 100 جريح.
منذ الساعات الأولى لصباح أمس كانت طرابلس تعيش أجواء قلق وحذر، وترقب لما ستسفر عنه جلسة استجواب مولوي في المحكمة العسكرية. وكان يتنازع الشارع الطرابلسي رأيان: الأول أن مولوي قد يُطلق بكفالة ويُنزع فتيل التوتر، والثاني أنه سيبقى موقوفاً لأن قضيته معقدة، و«هيبة» الدولة ليست مزحة.
قبل الظهر بقليل بدأت وسائل الإعلام تبث أخباراً عاجلة أن جلسة استجواب مولوي بدأت. الخبر جعل منسوب القلق يرتفع، خصوصاً في ساحة عبد الحميد كرامي ــ ساحة النور، التي حوّلها مناصرو مولوي والداعمون لإطلاق الموقوفين الإسلاميين إلى ساحة اعتصام لهم حتى إطلاق سراحه وسراحهم.

أعداد المعتصمين، خصوصاً الملتحين منهم، بدأت تتزايد في الساحة، وجعل أي تحرك فيها موضع اهتمام ومتابعة دقيقة، لدرجة أن تلاسن امرأة مع سائق تاكسي على الأجرة جعل الموجودين في الساحة يستنفرون.
الدقائق تمرّ ثقيلة على الساحة، ووسائل الإعلام المرئية التي استقدمت عربات النقل التلفزيوني المباشر، استنفرت معظم عناصرها لتغطية الحدث، فيما كانت الساحة تزدحم بسيارات المواطنين الذين كانوا يسارعون للخروج من المدينة خوفاً من تدهور الوضع نتيجة ردود فعل سلبية قد تحصل إذا لم يطلق مولوي.
ما كادت عقارب الساعة تقترب من الثانية عشرة والنصف، حتى بدأت هواتف المعتصمين ترنّ. «شو عم بتقول؟ الله أكبر»، يقول أحد المعتصمين لمحدّثه على الهاتف وهو يلوّح بقبضته إلى الأعلى، قبل أن يُهلل فرحاً، ليزف الخبر: «شادي أُفرج عنه. ظهر الحق وزهق الباطل».

لم تمضِ سوى بضع دقائق على إعلان القضاء إطلاق مولوي بكفالة مالية، حتى كانت الساحة تغصّ بأنصار التيار السلفي، وبمواطنين دفعهم الفضول للمجيء، وسط فرحة هستيرية لـ«مناصري» مولوي، جعلتهم يطلقون المفرقعات النارية والرصاص في الهواء ابتهاجاً. وبعد غيابهم لأيام، حضر باعة العصير والكعك بكثرة إلى السّاحة.
عناصر الانضباط في الساحة تغير سلوكهم رأساً على عقب، إذ حلت البسمة مكان العبوس على وجوههم وشرعوا يعملون على تنظيم حركة السير، بينما عمل بعضهم على توزيع التمر على المارة احتفالاً بالمناسبة.
عبر مكبر الصوت يدعو بعض المعتصمين زملاءهم إلى تأدية صلاة الظهر في مستديرة الساحة. تلبي قلة النداء بينما الباقون مشغولون بأمور أخرى. يحصل هرج ومرج، ليتبين أن الشيخ سالم الرافعي وصل برفقة منسق الشؤون الدينية في جمعية العزم والسعادة الشيخ عبد الرزاق قرحاني. توجه الرجلان لتأدية الصلاة بعدما فاتتهما منها ركعتان.

«اعتصامنا في الساحة وصبرنا جعلا القضاء يُفرج عن شادي»، يقول أحد المعتصمين لرفيقه الذي يردّ: «كل ذلك بفضل الله»، فيعقب الأول: «ما في شك، إن شاء الله يُطلق بقية الموقوفين قريباً».
يُنهي الرافعي صلاته، ويتوجه بكلمة عبر مكبر الصوت إلى المعتصمين، أكد فيها أن «هذه البشرى اليوم هي نتيجة اعتصامنا السلمي، وتفهّم رجال السياسة والأمن والقضاء لقضيتنا، وأن وجودنا هنا لم يكن تحدّياً لهم، ولا للوقوف في وجه العدالة». الرافعي زفّ إلى المعتصمين بشرى أخرى، وهي أنه «سيُخلى سبيل عدد كبير من الموقوفين الإسلاميين»، مشيراً إلى أنه «بهذه الطريقة السلمية سنتابع تحركنا حتى نسترجع كل حقوقنا، في الإنماء والعمل والحياة الإنسانية الكريمة».
وبعدما شكر الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرين محمد الصفدي ومروان شربل واللواء أشرف ريفي، و«أهلنا في طرابلس الذين صبروا علينا وتفهموا قضيتنا وقطع الطريق»، طلب من المعتصمين «رفع الخيم من الساحة، والإبقاء فقط على خيمة رمزية للتذكير بقضية باقي الموقوفين».

«أين شادي؟». سؤال طرح فور الإعلان عن إطلاقه، وسط شائعات تضاربت حول المحطة الأولى له في طرابلس، إلى أن تبيّن أن سيارة الصفدي هي التي أقلته من المحكمة العسكرية إلى طرابلس، وأنه سيصل أولاً إلى مكتب الخدمات التابع للصفدي المجاور لساحة الاعتصام، وهو المكتب الذي أوقف فيه يوم 12 أيار الجاري.
أحمد الصفدي، ابن شقيق الوزير الصفدي، كان هو ومناصرون لوزير المال في المكتب قبل وصول مولوي، وسط حشد ضاق به المكتب ومدخله، والدرج المؤدي إلى الشارع، الذي أغلق امام حركة المرور بسبب كثافة الحضور.
يوضح الصفدي لـ«الأخبار» أن «مجيء شادي مولوي إلى هنا هو بمثابة رد اعتبار له وللمكتب ولنا، وأهله سيستلمونه من المكتب». لكنه أوضح أن «الدعوى التي رفعها الوزير الصفدي على الأمن العام لن يسقطها، وسيستمر بها».
عند الساعة الثانية والنصف تماماً من بعد الظهر، ينزل مولوي من سيارة الصفدي، فيسارع أحمد الصفدي الى احتضانه وسط صيحات التهليل والتكبير، ويصعدان برفقة حشد كبير إلى المكتب، وسط هتافات وشتائم للرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

داخل المكتب تعلو أصوات تنادي على شادي فيرفع قبضته لهم. يعانق والده ورفاقه، ويضع عصبة سوداء على رأسه ويهتف «الله اكبر، الله ينصر ثورة سوريا الشام»، ثم يلقي كلمة مقتضبة يشكر فيها ميقاتي والصفدي و«الثورة السورية».
«توقيفي كان سياسياً بسبب مساعدتي النازحين السوريين» يقول مولوي الذي أكد ثقته بالقضاء، لكنه نفى أن «تكون لديه شيفرة القاعدة»، لافتاً إلى أن «اعترافاته كانت تحت الضغط والتعذيب وقد أنكرها أمام القضاء».
يخرج شادي من مكتب الصفدي محمولاً على الأكتاف، هو وشقيقه بلال الذي كان قد وصل لتوّه مع عدد كبير من المناصرين في موكب دراجات نارية. يطوف بهما الحشد حول ساحة الاعتصام، ثم يلقي كلمة قصيرة قبل أن يتوجه إلى منزل ميقاتي ليشكره على ما قام به من أجل إطلاقه، ومن ثم توجّه إلى منزله في القبة حيث أقام له مناصروه احتفالاً حاشداً.
أمس، وللمرّة الأولى منذ 11 يوماً، نامت طرابلس من غير أن يقلقها إلقاء قنابل ليلية، أو أن تستفيق على اشتباكات بين باب التبانة وجبل محسن، فقد عاد شادي إليها.

السابق
الاخبار: الدولة تحتفل بإطلاق شادي المولوي
التالي
ضغط 8 آذار