السفير: مجموعة سورية مسلحة تخطف 11 لبنانياً قرب الحدود التركية .. وإجماع وطني على الإدانة

ما كادت رياح «الفوضى المتنقلة» تهدأ قليلاً بالتزامن مع الإفراج عن الموقوف شادي المولوي، حتى هبت من حلب هذه المرة، مع خطف 11 لبنانياً على أيدي مجموعة مسلحة تردد أنها تنتمي الى الجيش السوري الحر، ما أثار ردود فعل غاضبة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع، حيث لجأ مواطنون غاضبون الى قطع الطرق والتهديد بخطف سوريين مقيمين في لبنان، الأمر الذي استدعى تدخلاً مباشراً من الرئيس نبيه بري والامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله لإقناع المحتجين بمغادرة الشارع، وترك الاتصالات السياسية تأخذ مداها، فيما كان لافتاً للانتباه ان الرئيس سعد الحريري أدان عملية الخطف واتصل ببري متضامناً في أول تواصل بين الرجلين منذ فترة طويلة.
وعلى وقع الأحداث المتنقلة، جاءت برقية الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، لتعبر من جهة عن خطورة المرحلة التي يمر فيها لبنان، ولتعيد التذكير من جهة أخرى بمدى تأثير الخارج على تركيبته الهشة، وباستعداده للتدخل المباشر متى اقتضت الحاجة، من أجل إعادة تثبيت قواعد اللعبة، أو ترسيم الخطوط الحمر.

وكان واضحاً أن برقية الملك اعتمدت لغة مركبة، اتخذت في جانب منها طابعاً حازماً وحاداً عبر إبداء «القلق من استهداف إحدى الطوائف الرئيسية التي يتكون منها النسيج الاجتماعي اللبناني»، في موقف لافت للانتباه ويكاد يكون غير مسبوق في قاموس الأدبيات السعودية حيال لبنان، لما تضمنه من إيحاء واضح بان إحدى الطوائف اللبنانية (الطائفة السنية) تحظى بحماية المملكة، في مواجهة التهديد الذي تتعرض له (من دون تحديد واضح لطبيعة هذا التهديد).
ولكن البرقية الملكية التي حذرت من خطر الفتنة الطائفية والحرب الأهلية، عادت واستدركت نبرتها المرتفعة، وفتحت ثغرة في الأفق المسدود عبر مخاطبة الملك عبدالله للرئيس سليمان بالقول: اننا نتطلع إلى حكمة فخامتكم في محاولة التدخل لإنهاء الأزمة، وفي الإطار العام لمبادرتكم ورعايتكم للحوار الوطني اللبناني، وحرصكم على النأي بالساحة اللبنانية عن الصراعات الخارجية، خصوصاً الأزمة السورية المجاورة لها.
ويمكن القول إن الملك السعودي بدا في هذا الجزء من رسالته متناغماً مع الرؤساء الثلاثة، سواء في دعمه لاستئناف الحوار ام في تأييده لسياسة النأي بالنفس التي تعتمدها حكومة نجيب ميقاتي، بحيث ظهر الطرح السعودي في هذا المجال متعارضاً مع موقف حلفاء الرياض، ولاسيما
الرئيس سعد الحريري الذي يرفض معاودة الحوار ويهاجم خيار النأي بالنفس، الى حد مطالبة ميقاتي بالاستقالة.
وعلمت «السفير» ان السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري أبلغ سليمان خلال لقائه به أمس تشجيع القيادة السعودية على معاودة الحوار بين الأطراف اللبنانية. وفي المعلومات أن رئيس الجمهورية تداول مع عسيري في زيارة قريبة له الى الرياض، يليها على الارجح انطلاق الحوار.
بري يرحّب
وقال الرئيس نبيه بري تعليقاً على برقية الملك عبدالله إنها تنطوي على دعوة صريحة الى الحوار وتعكس تأييداً واضحاً لسياسة لبنان في النأي بالنفس عن الازمة السورية، لافتاً الانتباه الى انه لو استجاب المعنيون لدعوته الى معاودة الحوار، والتي أطلقها قبل أحداث بيروت وعكار، لكان بالإمكان تفادي المخاطر التي تحدق بلبنان.
واعتبر بري ان الاتصال، الذي أجراه الرئيس سعد الحريري به أمس، بعد خطف اللبنانيين في سوريا، يشكل مبادرة إيجابية، مضيفاً: رب ضارة نافعة.
ميقاتي: سياستنا صائبة
وقال الرئيس نجيب ميقاتي لـ«السفير» إن برقية الملك عبدالله تؤكد مرة أخرى صوابية السياسة التي تعتمدها الحكومة في النأي بالنفس عن تداعيات الازمة السورية، داعياً البعض الى أن يقرأ جيداً كلام الملك السعودي، وان يكف عن التهور.
وأكد ميقاتي أن «اتحادنا يحول دون استهداف أحد في لبنان»، معتبراً انه إذا ضعفت أي طائفة فإن لبنان كله يضعف. ودعا اللبنانيين الى أن يتواصوا بالصبر، مشيراً الى ان «البلد يمر في وقت صعب وهناك أمور خارجة عن إرادتنا، ولكن إذا خرجنا من الحسابات الانتخابية المبكرة، وتعاملنا بمسؤولية، فأنا واثق من أننا نستطيع تجاوز هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة».

نص البرقية
وكان الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز قد أكد في برقية أرسلها إلى الرئيس ميشال سليمان «إن المملكة العربية السعودية تتابع ببالغ القلق تطورات أحداث طرابلس، خصوصاً لجهة استهدافها لإحدى الطوائف الرئيسية التي يتكون منها النسيج الاجتماعي اللبناني». وأضاف: إن المملكة العربية السعودية، وانطلاقاً من العلاقات الأخوية بيننا والحرص على أمن لبنان واستقراره في ظل سيادته ووحدته الوطنية والإقليمية، لم تألُ جهداً في سبيل الوقوف إلى جانب لبنان ودعمه بدءاً من اتفاق الطائف ووصولاً لاتفاق الدوحة.
واشارت البرقية الى كل ما بذلته المملكة ودول مجلس التعاون من جهود «في سبيل دعم لبنان اقتصادياً لتحقيق نمائه وازدهاره».
وشدد الملك السعودي على «أن هذه الجهود، مهما بلغ حجهما، ووصل مداها سوف تظل قاصرة إن لم تستجب كافة الأطراف اللبنانية الفاعلة لها، وتغلّب مصلحة الوطن اللبناني أولاً على ما عداه من مصالح فئوية ضيقة، أو خدمة مصالح أطراف خارجية لا تريد الخير للبنان ولا للمنطقة العربية عموماً».
وختم برقيته بالقول: نظراً لخطورة الأزمة وإمكانية تشعبها لإحداث فتنة طائفية في لبنان، وإعادته، لا قدر الله، إلى شبح الحرب الأهلية، فإننا نتطلع إلى حكمة فخامتكم في محاولة التدخل لإنهاء الأزمة، وفي الإطار العام لمبادرتكم ورعايتكم للحوار الوطني اللبناني، وحرصكم على النأي بالساحة اللبنانية عن الصراعات الخارجية، خصوصاً الأزمة السورية المجاورة لها.
رئاسة الجمهورية
وفي سياق متصل، جددت مصادر رئاسة الجمهورية تمسك الرئيس سليمان بالحوار وفق العناوين التي حددها وهي الآتية:
1 – البحث في سلاح المقاومة من ناحية الاستراتيجية الوطنية للدفاع.
2 – البحث في السلاح داخل المدن وخارجها، وهذا البند أصبح ملحاً في ضوء الاحداث الامنية الاخيرة.
3 – تنفيذ مقررات الحوار الوطني السابقة بشأن نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتنظيمه داخلها.
4 ـ إمكان التفاهم على أي بند يوافق الاقطاب على تناوله خلال الحوار، اضافة الى اعتماد الاولوية في مقاربة هذه المواضيع وفق ما يرتأون أنه اكثر الحاحاً.
وأوضحت المصادر «ان هناك افكاراً يجري تداولها لجهة كيفية بلورة ظروف الدعوة الى الحوار وتتمحور حول توجهين، أولهما، توجيه رئيس الجمهورية نداء او رسالة متلفزة يحدد فيها المخاطر والموجبات. وثانيهما، معاودة عقد لقاءات ثنائية مع أقطاب هيئة الحوار لبلورة مشتركات بنتيجة الحوار معهم، تنتج دعوة الى اعادة اطلاق الحوار الوطني».
المخطوفون اللبنانيون
الى ذلك، انشغل اللبنانيون أمس على مختلف المستويات بحادثة خطف 11 لبنانياً في منطقة حلب السورية، على ايدي مجموعة مسلحة قيل انها تنتمي الى «الجيش السوري الحر»، بعدما اجتازوا الحدود التركية – السورية، في طريق عودتهم من أداء مناسك زيارة العتبات المقدسة في إيران، بينما عمدت السلطات السورية إلى تأمين انتقال 51 امرأة وخمسة رجال ممن شاركوا في هذه الزيارة، من حلب إلى بيروت، بطائرة وصلت الى مطار رفيق الحريري الدولي قرابة الواحدة الا ربعا بعد منتصف الليل، حيث كان في استقبالها وفدان نيابيان من «حزب الله» و«حركة امل» الى جانب الاهالي وحشد اعلامي.
وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، كانت الاتصالات ما تزال ناشطة بين رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة وقيادتي «حزب الله» و«أمل» من جهة، وبين السلطات السورية والدول الفاعلة إقليمياً، ولاسيما تركيا، من جهة أخرى، للإفراج عن المخطوفين.
وقد أجرى سليمان اتصالات مكثفة لتأمين الافراج عن المخطوفين شملت القيادتين السورية والتركية وبري وميقاتي، وتلقى اتصالا من رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد شكره فيه باسم السيد حسن نصر الله، لاهتمامه الفوري بالقضية. كما اجرى بري اتصالات شملت القيادة التركية، وتلقى اتصالاً من الرئيس سعد الحريري الذي استنكر عملية الخطف واعتبر انها تطال جميع اللبنانيين.
ومن ناحيته، اتصل ميقاتي بوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، الذي كان متواجداً في شيكاغو للمشاركة في أحد المؤتمرات، وقد أبلغه أوغلو ان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان سيتصل به، فيما قال ميقاتي لـنا: لقد عرفنا اين هم المخطوفون، ونحن نبذل أقصى جهودنا للإفراج عنهم بأسرع وقت ممكن.
كما اتصل وزير الخارجية عدنان منصور بوزراء خارجية سوريا وتركيا والكويت.

السابق
طرابلس تتنفس الصعداء مع إطلاق سراح المتهم بالارهاب شادي المولوي
التالي
النهار: السعودية تحذّر من الحرب وتعطي دفعاً للحوار