الاخبار: ميقاتي يردّ على مطالبة المستقبل باستقالته: عنترياته أشعلت النار 

فيما يسود الحذر البلاد على خلفية أحداث بيروت والشمال، شيّعت منطقة عكار أمس جثمانَي الشيخين أحمد عبد الواحد ومحمد مرعب، اللذين شُيّعا في مسقط رأسيهما البيرة أمس، وسط ظهور مسلح كثيف وإطلاق نار غزير، وتصاعد حملة تيار «المستقبل» على الحكومة، مطالباً رئيسها بالاستقالة

بعد اجتماع استثنائي لنواب بيروت في كتلة «المستقبل» في منزل الرئيس سعد الحريري في وادي أبو جميل، حمّل المجتمعون في بيان «حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المسؤولية الكاملة عن كل ما تعرضت له بعض مناطق العاصمة، وتحديداً منطقة الطريق الجديدة، من محاولات لإشعال الفتنة والإخلال بالوضع الأمني، وكل ما حصل من قبل في طرابلس وعكار».

واستغرب ميقاتي البيان في الشكل والمضمون، ورأى أن «مطلب استقالة الحكومة» الذي «بات لازمة مرادفة لكل بيانات نواب «المستقبل» وتصاريحهم، «يعكس رغبة دفينة في استرداد ما اعتبروه حقاً مكتسباً، لا يحق لأحد أن ينتزعه منهم». وأكد أن تحميل النواب «حكومة ميقاتي المسؤولية الكاملة لما تعرضت له بيروت، وكل ما حصل من قبل في طرابلس والشمال، أمر مجاف للحقيقة؛ لأن الجميع يعلم ما قام ويقوم به من جهود لإطفاء النار التي أشعلها سواه، ومنهم بعض نواب المستقبل بمواقفهم وعنترياتهم، وفيها ما فيها من انعدام للمسؤولية الوطنية، ودفعهم مناصريهم إلى العصيان المدني والمبارزة في الشارع، في أكثر من منطقة، وآخرها ما حصل ليل (أول من) أمس في بيروت».
وإذ لفت إلى الموقف الذي أعلنه من رسالة المندوب السوري لدى الأمم المتحدة، رأى أن «الفارق كبير بين المزايدة واستغلال الأحداث كما يفعل نواب المستقبل، وبين التعاطي معها بمسؤولية وبما يتناسب مع المصلحة الوطنية العليا، كما يفعل رئيس الحكومة».

قلق دولي وترقب سعودي

من جهة أخرى، نصحت السفارة الأميركية لدى لبنان رعاياها بمتابعة التطورات والأخبار، مشددة على وجوب «تجنب مناطق الاحتجاجات». وعبّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر، عن «قلق الولايات المتحدة بشأن الوضع الأمني في لبنان»، ورحب بـ«قرار السلطات اللبنانية التحقيق في الحادث»، داعياً «جميع الأفرقاء إلى ضبط النفس».
من ناحيتها، رأت وزارة الخارجية الروسية أن «القوى التي لم تتمكن من تحقيق مخططاتها لزعزعة الاستقرار في سوريا»، وجهت أنظارها إلى لبنان المجاور.
ودعت «الساسة اللبنانيين إلى ضبط النفس»، مؤكدة أنها تعوّل «على أن تتخذ الحكومة وأجهزة القوة اللبنانية، بتمسك صارم بالقانون، كافة الإجراءات اللازمة لاستعادة الهدوء في البلاد والحفاظ على السلام المدني والوحدة».
كذلك، دان المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو «الحادث المسلح الذي راح ضحيته رجلا دين في شمال لبنان»، داعياً «جميع الأفرقاء إلى التهدئة ورفض الاستفزازات للمحافظة على استقرار لبنان». من جهته، عبّر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن «قلقه حيال التوترات في لبنان»، داعياً في بيان «جميع الأطراف إلى القيام بكل ما يمكن لإعادة الهدوء». وأوضح البيان أن المنسق الخاص للأمم المتحدة من أجل لبنان ديريك بلومبلي «ينشط على الأرض ويشجع جميع الأطراف المعنيين على العمل لتحقيق الهدوء والاستقرار في البلاد».

تشييع عبد الواحد ورفيقه

في غضون ذلك، شيعت بلدة البيرة (روبير عبد الله) فقيديها الشيخين أحمد عبد الواحد ومحمد حسين مرعب، وسط حزن وغضب شديدين.
وحتى ساعات الصباح الأولى، كان الدخان لا يزال يتصاعد من الإطارات التي استمر حرقها في مناطق متعددة من عكار، وخصوصاً الطريق الممتدة بين بلدة البيرة ومستشفى حلبا. وبدت حركة المرور صباحاً متعثرة بسبب الإزاحة الجزئية للإطارات المشتعلة، وبقي الأمر على هذه الحال حتى فتحت القوى الأمنية الطرقات العكارية نحو الساعة العاشرة صباحاً تسهيلاً لوصول المعزين إلى بلدة البيرة.
ظهراً، تحرك الموكب الذي رافق نقل جثماني القتيلين من مستشفى عكار. على مفرق الكويخات حيث وقعت الحادثة، حُمل النعشان على الأكف وسط إطلاق كثيف للرصاص في الهواء، وكذلك الأمر على مفرق صيدنايا وعمار البيكات والدوسة والكواشرة. وبوصول الموكب إلى البيرة، كان الأهالي قد احتشدوا قرب سرايا البلدة.
وقبل أن يوارى الجثمانان في الثرى، أجمع الخطباء على إدانة عملية القتل، وعلى المطالبة بمحاكمة متشددة للعسكريين الذين شاركوا في الحادثة. كذلك لم تخل معظم الكلمات من إطلاق مواقف سياسية عالية النبرة؛ فرأى خالد عبود، الذي كان برفقة الشيخ عبد الواحد، أن «المندسين في مؤسستنا العسكرية الشريفة لن ينالوا من عيشتنا المشتركة»، وأنهم ليسوا من «نسيجنا ولا من نسيج المؤسسة العسكرية».
بدوره، رأى النائب خالد ضاهر أن معاقبة المرتكبين قد بدأت «بإصدار القاضي صقر صقر أوامر اعتقال ثلاثة ضباط وتسعة عشر عسكرياً». كذلك ألقى كلمة كل من مفتي عكار الشيخ أسامة الرفاعي، الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري وإمام مسجد البيرة الشيخ محمد عوض مرعب. في ختام الجنازة قرابة السادسة مساءً، أقفلت طريق عكار في العبدة، ثم في البداوي. كذلك سمع إطلاق نار في الكواشرة وفي حلبا. ولم يكن ذلك خارج التوقعات؛ فخلال إلقاء الكلمات، تحدث أحدهم عن انتهاء المهلة المعطاة لتسليم «الجناة» حتى مساء أمس، تحت طائلة إعادة قطع الطرقات، لكنه لم يلبث أن قال إن «المهلة أسبوع» بعد تدخل النائب خالد ضاهر والفاعليات الموجودة.
إلا أنّ المهلة لم تُلتزَم، حيث قطعت طرقات عدة في عكار وبعض البلدات في البقاع الغربي. كذلك قطعت طريق الناعمة ليلاً، وأعاد الجيش فتحها.

فارس يدعو للنأي بالجيش

وأعرب نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس، في تصريح عن ألمه لـ«الحادث المفجع» الذي أودى بحياة الشيخ عبد الواحد ورفيقه مرعب. وناشد «القيادات السياسية على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها ألا تبخل بأي جهد كي يبقى الأمر في إطاره القضائي»، مؤكداً «وجوب إبقاء المؤسسة العسكرية بمنأى عن التجاذبات والعصبيات السياسية والفئوية».

المجلس الشرعي

إلى ذلك، سجل غياب رئيس كتلة «المستقبل» النائب فؤاد السنيورة عن اجتماع المجلس الشرعي الأعلى ومجلس المفتين. وعزت مصادر دار الإفتاء هذا الغياب إلى أن «السنيورة طلب أن يتضمن البيان الختامي إدانة قيادة الجيش والمؤسسة العسكرية ككل وعدم حصرها بإدانة الضابط المسؤول عن حادث مقتل الشيخين ليشارك». لكن قباني والرئيس سليم الحص رفضا ذلك، فيما نفت مصادر السنيورة «مثل هذا الطلب، وقالت إن البيان تضمن أبرز بندين طالب بهما السنيورة، هما استنكار حديث مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، وتحمّل الحكومة لمسؤولياتها تجاه ما يجري». وأوضحت مصادر المفتي أن الرئيس ميقاتي اجتمع بالأول لمدة 45 دقيقة، وهو من حاول إقناعه باستنكار ما جاء في رسالة الجعفري.
وكان بيان المجلس قد لفت إلى أن لبنان يعيش انعكاسات التطورات المحيطة، وتحديداً ما يجري في سوريا، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية يجب أن تعمل بإشراف السلطة السياسية. وطالب بإحالة قضية الشيخين عبد الواحد ومرعب على المجلس العدلي.

السابق
أزمة المياومين
التالي
أمر الأسد أو مؤامرة غليون لاند؟؟