فرادة الاختراق

قد تكون جريمة حلبا أمس أحد أهم وأخطر الاختراقات التي حققها نظام الأسد في الجسم اللبناني.. جريمة مختلفة في طبيعتها وظروفها ومنفّذيها، بل تكاد أن تكون محطة فاصلة بين تاريخين في شأن النظرة الى المؤسسة العسكرية الأم: ما قبلها وما بعدها! وفي ذلك تتويج لفرادة ذلك الاختراق وخطورته وكارثيته!

يعلم أصحاب الشأن العسكري، كما السياسي صاحب القرار الأعلى، أن بيئة قوى الرابع عشر من آذار تقبض منذ 8 أيار عام 2008 على الجمر في اليدين: في يد جمر التمسّك بالدولة ومشروعها وكيانها ومؤسساتها ودورها وقواها، في مقابل دويلة الوصاية المزدوجة وسلاحها وطموحاتها وأساليبها.. وفي يد أخرى، جمر لجم "الملاحظات" الكبيرة والكثيرة على ممارسات ميدانية رسمية رافقت ذلك اليوم الأسود من أيار، واستمرت بتعرّجات متقطعة في أكثر من منطقة وصولاً الى الشأن الشمالي في مجمله، حيث تعسّ مشاعر المرارة إزاء تصرفات غير سوية وغير مؤسساتية وغير دولتية وغير مألوفة!
والمفارقة الجمرية تقول، إن أهل الدولة ومشروعها ودعاة إقدارها وإنعاشها وإيقافها على قوس حقوقها وحصريتها، هم الذين يعانون من ممارسات "البعض" في بعض مؤسساتها! وهم الذين يدفعون أثمان سياساتهم وشعاراتهم، فيما أصحاب الوصاية وأهل الدويلة المسلحة ينتعشون وينتشون بضمور الشرعي في وجه لا شرعيتهم أحياناً، وبغطاء رسمي لممارساتهم وسياساتهم وارتكاباتهم في أحيان أخرى كثيرة!

ومع ذلك وبرغم منه فإن العموميات لا تؤخذ بالجزئيات. والأساسيات لا تُلغى بالثانويات: مشروع الدولة ليس خياراً ترفياً أو عرضياً. هو "المشروع" ونقطة على السطر! لا بديل منه. ولا معنى لكل نضال السياديين والاستقلاليين ودمائهم من دونه. ولا معنى خارجه في الأساس، لكن ذلك الضنى في السعي لإنهاء الوصاية الأسدية الخارجية وربيبتها وخليفتها الوصاية المحلية المسلحة، الإيرانية الدعم والتوجيه والتمويل والاحتضان! ولا تغيّر شيئاً من تلك المسلّمات، كل عوارض الاختراقات والممارسات الخاطئة، المقصودة والعفوية التي جرت وتجري، علماً أن الجزء الأكبر من تلك الأخطاء ليس بريئاً ولا عفوياً.

.. ولا يحتاج السياديون والاستقلاليون الى تقديم مطالعات دفاعية وقائية مسبقة، في وجه أي تهمة تتصل بمحاولة الدكّ في أسس النظام العام وركائزه، أو التحريض على الأمن الشرعي وعسكره.. لكن الميزان دقيق وحساسيته ضاربة في الأعالي، ولأنه كذلك تقتضي الضرورة بيان الوضوح: من ارتكب جريمة الأمس في عكار ليس الجيش بل أفراد منه. ومن سبق أن "واكب" بعض ممارسات الحرق والتهديد التي طالت مؤسسات وبُنى إعلامية وغير إعلامية في 7 أيار المشؤوم، لم يكن الجيش بل أفراد منه! لكن ذلك لا يعني تضييع البوصلة، ولا حرفها ولو بمقياس شعرة واحدة عن اتجاهها الدالّ الى أن التراخي في المعالجة التامة قد يؤدي الى نتائج مدمّرة. ولا يستطيع أي قيّم سياسي وطني على المؤسسة العسكرية الأولى والأهم والأعلى والأغلى، أن ينأى بنفسه عمّا حصل، ولا عن خلفيته وتوقيته وتفاصيله (المرعبة!) ولا عن حساسيته القصوى.

.. يخترق النظام الأسدي الحياة السياسية والحزبية اللبنانية بالطول والعرض، لكن الوصول الى المرتبة التي شهدنا عيّناتها بالأمس في عكار، ربما يعني شيئاً واحداً لا غير: قد لا يبقى وطن، كي يحفظه جيش الوطن! وبالتالي، فإن بديهيات المنطق تقول، إنه لا يُفترض بأي لبناني حصيف، أن يقبل بحرق وطنه خدمة لنظام إجرامي، آفل لا محالة!.. وأول مقوّمات ذلك، كشف كل "تفاصيل جريمة الأمس واتخاذ ما يلزم من إجراءات في حق مرتكبيها.

السابق
عكار والجيش في دويلات الطوائف ..
التالي
حسابات مسبقة !!