عيد البلهاء.. والنزول الى الشارع !!

اعتقدنا دائما ان الانتخابات حسنة للشعب لأن الحياة تصبح أسهل والسلطة تتجدد. فليس للديمقراطية قيمة اخرى لأن النخب هي الرابحة في الأصل. وبعد ذلك، بعد الانتخابات مباشرة تترك السلطة فراشنا، ويتلاشى سحر المراودة، وتستطيع الاعتماد فقط على ذاكرتنا البائسة التي يحل محلها الفيس بوك وتويتر، واللذان كانا في الأمس يظهران على شاشة الحاسوب على هيئة حاملة طائرات يبدو اليوم مثل قارب هائم شراعي يأخذ الجميع في ركبه، ولا يبقى في الغد سوى الفراغ، وتُمحى الذاكرة، لأن الذاكرة اللبنانية موجودة فقط في مطالب الزعماء وارادة الاحزاب.

لا توجد معارضة ولا سيما من تيار المستقبل، فهي التي احتفلت بذكرى السابع من أيار وظهر فيها النائب سعد الحريري الذي طال انتظاره على شاشة ضخمة معتبرا هذا اليوم، يوم الجرح والالم الاعظم على بيروت، وكأن ما حدث في الامس نتيجة الشحن الطائفي الذي بدأ منذ 2005، وينفجر من فترة الى اخرى في الشوارع ليس بجرم. وأيضا كأن هذا الشعب لا يعيش هذا الظلم والجور مع كل يوم يمر عليه بوجود حكومة "كلنا للوطن"، ومعها معارضة، تعارض للمناكفة واظهار الفريق الاخر على خطأ، حتى وإن كانت على حق.

السياسة الكيدية التي تتبعها المعارضة من جهة، وسياسة النأي بالنفس انفجر الاسبوع الماضي في شوارع طرابلس وامتدى بالامس الى عكار فبيروت، وبدأ معها عيد البُلهاء، فاحتفلوا بالشوارع وشعاره "كلنا حمقى". لم يبق من الامن اللبناني إلا أقلية بعقول بيضاء تفقه معنى مثل هذه التحكات، ويجب على سلطة نجيب ميقاتي ان تتلقفها وتحافظ عليها وتحميها لمنع الوطن من الانفجار. وعلى المعارضة، ان تفعل المثل، وربما يكون اولئك الذين صوتوا لاعادة سعد الحريري لسدّة مجلس الوزراء قد أسرهم سحره ولم يتذكروا أنه أخذ فرصته وثبت انه يمتلك فريق عمل من الرجال غير الجديين خلفه، ممن تعلموا كيف يخدعون أبناء البلاد وراء الخط الازرق والآخر أحمر والرمادي ما بينهما. فالحقيقة أنه لا يستيقظ شخص فجأة في الصباح ويتصرف كأنه المخلص لهذا الوطن.

لو كان الحريري رئيس الحكومة الحالية، كانت الامور مختلفة، فهو قادر على احتواء فورة الشارع السني وكبح جماح الشباب، الذي سارع لحرق الاطارات واقفال الشوارع وعلت اصوات الشتائم للشيعة، ووصل التهكم الى الجيش اللبناني حامي الامن والامان، وكل ذلك دعما للقضية! وهناك في طريق الجديدة رفع رسم كاريكاتوري لبشار الاسد، وكأن هذا الاخير من أعطى الشيخ أحمد عبد الواحد الامر بعدم الامتثال للامن والوقوف عند الحاجز، وهو نفسه من أعطى الاشارة لمرافقيه ورجال خالد الضاهر لاطلاق النار على الجيش، الذي بدوره ونظرا للوضع الامني الدقيق الذي كان سائدا في المنطقة فتح النيران فاصابت رصاصاته الشيخ ومرافقه واردتهما قتلى.

هذه هي مكانة الحقيقة في مجتمع بلا معارضة، وبلا موالاة، فلا يغرنكم المجد المظلي لميقاتي، فمنذ عقود لم يحتل رجل أعمال موقعا حصينا قادرا على الصمود في وجه كل هذه الصعاب والضغوط الاقليمية والدولية بسياسة صارخة وجديدة تدعى "النأي بالنفس".

ان ميقاتي وحكومته هما الممثل البارز للفساد الحكومي، فهو الاستاذ الذي جاء من طرابلس واعدا بالعمل والاصلاح، فتبين ان وزراء التغيير تآلفوا مع قاعدة تغيير رصيدهم المصرفي ليصبح أكبر. واصطدم بمعارضة كان يجب عليها ان تراقب السلطة، لا ان تصبح قوة للأكاذيب والتحريض والفتن.

ان الفرق بين لعبة البوكر على المال والبوكر على عود الثقاب معروف. ففي الاولى يمكن التمتع بربح والتألم للخسارة وفي الثانية نضحك فقط. وفي الحالتين يُخرَج الجوكر. أما الحال في لعبة بوكر السياسة اللبنانية فمختلفة لأن الجوكر قبل كل شيء يبقى ولأنه يوجد في الأساس الكثير من قطع النقد المزيفة والتضليل. ان لغة السياسة مومس قبيحة، وميقاتي الآن وسيطها.

ألم يكن أسهل من هذا الفلتان الامني وحرب الشوارع ألا تشكل حكومة "كلنا حمقى" من البدء؟

السابق
سرقة أسلاك كهربائية في جب جنين
التالي
حاسوب بحجم الـUSB