عن حكومة ميقاتي والبيئة السياسية الزائلة

بداية يمكن التأكيد أن حكومة نجيب ميقاتي باتت ميتة سريرياً وأضحت مشلولة عاجزة عن القيام بمسؤولياتها كما ينبغي داخلياً وخارجياً وهي ماتت في الحقيقة بمجرد ان زالت البيئة السياسية التي أنتجتها والتي تكونت ليس مع الافشال المتعمد للمساعي السعودية السورية او الورقة التركية القطرية وانما قبل ذلك بزمن طويل يقارب العشر سنوات.
حرص الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد حتى زمن الوصاية السورية على الحفاظ على مصالح والطوائف والدول الراعية لها هو فهم ان التفويض الذي منح له مشروط بالحفاظ على مصالح الجماعات والفئات المختلفة وهكذا أقام أفضل العلاقات مع الرياض والقاهرة وباريس وطهران واحتفظ بقنوات مفتوحة مع الولايات المتحدة وحتى المقاومة اللبنانية – حزب الله – فرض عليها قواعد اللعب والقوانين الدولية ان في الداخل او الخارج وكان العنوان الابرز لذلك تفاهم نيسان ابريل 1996 الذي تم التوصل اليه برعاية دولية مشتركة خاصة مع فرنسا وجهد كبير من الرئيس رفيق الحريري وشرع للمقاومة التصدي لجيش الاحتلال فقط في المناطق المحتلة مع تحييد المدنيين من الجانبين علما انه حيد ايضا المقاومة عن زواريب ومتاهات ودهاليز السلطة السياسية للحفاظ على اكبر قدر من التأييد والمساندة وابقائها خارج اي سجال سياسي او طائفية.
شاء القدر ان يرحل حافظ الاسد في نفس العام الذي وصل فيه جورج بوش الابن الى السلطة وانهارت البيئة السياسية التي اقامها والتي عنوانها العريض اتفاق الطائف ولو بخطوطه العامة والحفاظ على مصالح الطوائف والفئات والقوى الداعمة لها وترافق الامر مع فرض جورج بوش الابن لتحديات هائلة على المنطقة لم يحسن الرئيس بشار الاسد المفتقد للخبرات وحتى للقدرات والمواهب السياسية الضرورية التعاطي معها كما ينبغى.
بعد هجمات ايلول سبتمبر 2001 قرر بوش الابن غزو العراق والعمل لتغيير الانظمة المعارضة في المنطقة خاصة سورية وايران هذه الاخيرة فهمت الرسالة جيدا وتعاطت ضمن قواعد اللعبة واستخدمت القوة الناعمة خاصة في العراق بما في ذلك الاقتصادية الثقافية وحتى الدينية بل وساعدت امريكا في غزو افغانستان ولو بشكل غير مباشر بينما قررت ان تخوض الحرب المفتوحة مع امريكا واسرائيل عبر لبنان وهو الامر الذي لم يستوعبه ولم يمنعه الرئيس الشاب قليل الخبرة – وربما حسن النية ايضا – والذي تحول مع الوقت الى مجرد عنصر او بيدق فى الاستراتيجية الايرانية الهادفة الى مواجهة الاستراتيجية الامريكية ولكن بعيدا عن بيئتنها الجيوسياسية المباشرة.
الاستراتيجية الايرانية في لبنان التي تماهى معها وخضع لها الرئيس السوري بشار الاسد تضمنت ثلاثة عوامل اساسية انهاء اتفاق الطائف بشكل عملي وتقوية حزب الله ليصبح القوة المركزية في لبنان والتمديد للرئيس اميل لحود وازاحة كل من يعترض على ذلك ولو سياسيا واعلاميا كما حصل مع الرئيس رفيق الحريري وحتى النائب وليد جنلاط مع عدم الانتباه الكافي للاثار الضارة والمدمرة ان لجهة تأجيج الصراع الطائفي او حتى لجهة الدخول في حرب زائدة مع اسرائيل دمرت نصف لبنان وهي الحرب التي قال السيد حسن نصر الله انه لو عرف ان اسرائيل سترد عبرها لما كان نفذ عملية اسر الجنود الاسرائيليين الثلاث صيف العام 2006.
الاستراتيجية الايرانية – السورية – ادت الى ازمة مستحكمة فى لبنان وعزلة عربية دولية لدمشق قادت الى احداث 8 ايار ووصول لبنان الى حافة الحرب الاهلية وهنا تدخلت الدول العربية والاقليمية عبر اتفاق الدوحة الذي مثل ما يشبه التهدئة او الهدنة وتضمن خارطة طريق واضحة شملت اختيار رئيس توافقي وانتخابات نيابية ثم حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري كان يفترض ان تمثل عودة الى اتفاق الطائف وبيئته السياسية التوافقية في الداخل والخارج.
كل ذلك لم يغير شيئا من مقاربة الرئيس السوري المستلبة للسياسة الايرانية الباحثة ليس عن عن التهدئة وانما عن الااحتفاظ بلبنان – والعراق لم ينجح الامر في فلسطين – كساحة من ساحات المواجهة مع الولايات المتحدة الرئيس القليل الخبرة والساذج والمراهق لم يفهم حتى مغزى اصطحابه من قبل الملك عبد الله الى لبنان كاشارة الى عودة المظلة العربية السعودية السورية وروح اتفاق الطائف كما افشل عن سبق اصرار وترصد المساعى السعودية كما الورقة التركية القطرية التي مثلت المحاولة الاخيرة لتجنيب لبنان الانقسام والشحن الطائفي عبر العودة الى الطائف نصا وروحا.
الرغبة المتغطرسة والغبية في السيطرة المنفردة والاحادية على لبنان وفي الاحتفاظ بحزب الله كجيش وصاحب الفيتو والكلمة االفصل في الملفات السياسية والخلافية ادت الى اقالة حكومة سعد الحريري وتشكيل حكومة نجيب ميقاتى من لون واحد ويتمتع فيها حزب الله – وحلفائه – بالثقل الكبير والوازن ضمن رغبة ايرانية واضحة تماما فى الاحتفاظ بلبنان وحتى سورية كساحة من ساحات المواجهة المحتدمة مع المجتمع الدولي على خلفية مشروعها النووي ونزعة الهيمنة الواضحة لديها.
بدا من مفارقات او مصادفات التاريخ ان يتم تكليف السيد نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة يوم واحد فقط بعد اندلاع الثورة المصرية وهي الثورة التي انتقلت الى الانظمة المشابهة شكلا ومضمونا للنظام المصري واكدت رفض الشعوب للقهر الفساد الاستبداد والاستتئثار كما لمشاريع التوريث السياسي وحكم العائلات حتى في الانظمة الجمهورية التي تحولت الى ملكيات مقنعة في تونس مصر ليبيا اليمن وسورية .
عندما انتقل ميدان التحرير الى سورية تم التعاطي معه بنفس الذهنية المتغطرسة الغبية والتي كان عنوانها الابرز الحل الامني والايغال فى الدم ومن ثم الفشل في القضاء على الثورة وفقدان النظام لهيبته ونفوذه وتاثيره وتحول سورية الى ملعب بدلا من لاعب يفرض او يحاول فرض مصالحة على المحيط الاقليمي بانهيار النظام ولو معنويا ونفسيا وعجزه وفشله رغم الاستخدام الهمجي والاجرامي للقوة عن قمع الثورة انهارت البيئة السياسية التي عمل عليها النظام فى لبنان – وبدرجة اقل في فلسطين – والتي تشكلت من خلالها حكومة ميقاتي فهوت هذه الى الفراغ وباتت ميتة سريريا متحولة الى تصربف الاعمال بينما استقالتها الرسمية هي مسالة وقت فقط اسابيع وربما شهور قليلة في الحد الاقصى.
لا بد من الانتباه الى ان لبنان كله بات فى الفارغ وخارج اى مظلة محلية او اقليمية لحمايته والمستقبل بالتالي مفتوح على المجهول وكل الاحتمالات مطروحة من الفوضى وانهيار سلطة الدولة الى الحرب الاهلية وربما التقسيم ايضا علما ان هذا يعتمد على سيناريو الاحداث في سورية قبل وبعد سقوط النظام الذي بات حتميا ايضا ومسالة وقت اسابيع وشهور وليس سنوات.
  

السابق
حوري: المستفيد من التوتر الحاصل هما النظام السوري وحزب الله
التالي
الأنوار: عكار تشيع شهيديها… ولقاء دار الفتوى يرفض الاتهامات السورية