سلفيون أو القاعدة.. لا فرق!

الى ماذا يستند وزير الداخلية مروان شربل عندما يؤكد ويصرّ على أن لا وجود لتنظيم «القاعدة» في لبنان؟، فهو حتى الآن لم يقدّم اي دليل على ذلك، هذا في حين أن كل الوقائع المرئية تشير بما لا يدع مجالاً للشك الى أن تنظيم «القاعدة» السلفي حاضر بقوة على الساحة اللبنانية مع الإشارة الى أن طبيعة التنظيم هي طبيعة سرية، لا ينفي السلفيون الذين ظهروا مسلحين على شاشات التلفزة في أحداث طرابلس على الأقل تأييدهم لهذا التنظيم الإرهابي وكان آخر من أدلى بذلك الشيخ بلال دقماق أحد الكوادر السلفية في إطلالته الأخيرة على شاشة «أو تي في» منذ يومين حينما دافع عن «أهل السنّة» ومظلوميتهم.

قد تكون للوزير شربل أسبابه المنطقية التي تتعلق بالتخفيف من اثر هذه الحقيقة لا سيما على الاقتصاد اللبناني الذي يعاني والذي يرتبط ارتباطاً مباشراً ببورصة الحالة الأمنية في البلاد خاصة على أبواب فصل الصيف وموسمه، ناهيك عن أسباب اخرى قد تكون مفهومة، كما أن بالإمكان القول بأن نفي الوزير يصب في مصلحة «خطة أمنية» و»استخباراتية» من شأنها كشف شبكات ذلك التنظيم على قاعدة أن النفي يخدم مصلحة التحقيقات والملاحقات والتتبع، إلا أن أوان ذلك قد فات باعتبار أن مشهد طرابلس قد نسف سرية التنظيم المسلح التي اعتمدت منذ حرب مخيم نهر البارد، بينما لقي هؤلاء المسلحون دعماً من قيادات سياسية بارزة لبنانية بعدما سجلوا تراجعاً في أدائهم السياسي والتنظيمي ما استدعى التفتيش عن بدائل تشكل حضوراً مذهبياً يحفظ وجودهم بالرغم من غيابهم، ولكن هذه المرة بعيداً من الشعار الأساسي الذي رفعوه في مرحلة سابقة وهو إسقاط السلاح (حزب الله) ليحل مكانه شعار «إسقاط النظام في سورية».

ما قاله مندوب سورية بشار الجعفري في تقريره الى الأمين العام للأمم المتحدة حول احتضان لبنان لعناصر متطرفة تعمل على زعزعة الاستقرار في بلاده، وأن العقيد المنشق رياض الأسعد موجود فيه لإقامة «منطقة عازلة» يشكل قاعدة انطلاق للمسلحين السوريين الفارين من بلادهم وتمهيداً لفتح حرب طويلة الأمد مع الدولة في سورية بعدما خسروا معركتهم التي امتدت على مدى أكثر من عام، ليس سوى كشفاً إعلامياً صريحاً لمخطط عمل عليه التحالف العربي ـ الغربي على مدى شهور طويلة، وهذا التحالف هو من كان يطالب الدولة اللبنانية بتأمين الحماية للمسلحين تحت عنوان «المعونات الإنسانية»، وحتى أن مهمة المبعوث العربي ـ الدولي الى سورية كوفي أنان تمحورت تحت هذا العنوان من دون أن تتمكن من تحقيقه لأنه يستبطن تأمين ممر لدعم المسلحين في أماكن القتال لا سيما في (بابا عمرو) في حمص قبل أن تنجز القوات السورية مهمة القضاء على بؤرة التوتر تلك.

ليس مفهوماً انزعاج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من تقرير الجعفري، وهو رد على هذا التقرير بأنه يعمل عبر القنوات الدبلوماسية للتخفيف من حدة التوتر بين البلدين بينما هو لم يرفض طلبات أميركية وغربية وعربية لتقديم المساعدات الى المسلحين الذين يلجأون الى لبنان بعد ارتكابهم الفظائع في بلادهم، في حين أن ما شكله وجود هؤلاء من فلتان أمني على الساحة اللبنانية لا سيما تلك المتاخمة للحدود المشتركة مع سورية لم يقو ميقاتي على ضبطها، وهو عجز عن «المونة» على المسلحين المنتشرين في مدينته كما عجز عن توفير الغطاء السياسي الذي طالب به الجيش لإنجاز مهمته في ضبط الوضع في الشمال.
قضية المنطقة العازلة التي تحدث عنها الجعفري هي مطلب عربي ـ غربي من حلفاء رئيس الحكومة اللبنانية الذي لم تنفع صيغته للنأي بالنفس، لأنها استخدمت في مكان وتم القفز عنها في مكان آخر، بدءاً من الدول التي نصحت رعاياها بمغادرة لبنان وعدم السفر إليه في هذه المرحلة لأن الوضع الأمني فيه غير مستقر، وصولاً الى الولايات المتحدة التي دأبت عبر مسؤوليها من مستويات مختلفة على التحذير من انعكاسات الأوضاع في سورية على الوضع في لبنان، الكل يعمل بشكل حثيث على إقامة تلك المنطقة العازلة ولكن بشرط أن تكون مستقرة أمنياً، ولو قُدّر لميقاتي أن يضمن ذلك لما تردد لحظة بإقامتها، لكن انشغال الأطراف الداخلية بالمناوشات المسلحة لم يسمح لرئيس الحكومة في لبنان وأصدقائه من توفير المناخ الملائم لإعلان المنطقة الشمالية عازلة لطرف سوري تتعدد أهداف مهمته.
عمل الأميركيون منذ ما بعد وقف إطلاق النار بين المقاومة و»إسرائيل» عام 2006 على التركيز على إنجاز دراسات عسكرية حول منطقة شمال لبنان تحديداً بهدف استخدامها لأغراض عسكرية دولية كونها بعيدة بالمبدأ عن مناطق نفوذ حزب الله، وباعتبار أن فيها بيئة حاضنة لهذا التدخل كونها تقع تحت سيطرة أخصامه السياسيين على الساحة اللبنانية لا سيما أنها تتشكل من المكوّنين السنّي والمسيحي الموالي أو القريب من رئيس «القوات» سمير جعجع، وذلك ضمن استراتيجية حرب مقبلة ستتكرر في وقت ما ضد حزب الله تبعاً للظروف الدولية والإقليمة قد يفرضها تعاظم قوة هذا الحزب، في حين توصلت الدراسات التي نفذها فريق عسكري ألماني- أميركي تارة بشكل مشترك وأخرى بشكل منفصل الى أن المنطقة تشكل عمقاً استرتيجاً لحزب الله في أية حرب جديدة، ما يفرض حرمانه منها والسيطرة عليها لإمكان محاصرته عسكرياً واجتماعياً، وهذا الأمر هو ما طلبته «إسرائيل» منذ بدأت تقييمها لمرحلة ما بعد حرب تموز 2006.

المنطقة العازلة أصبح لها هدفان، الأول أن تكون خنجراً دائماً في خاصرة الدولة في وسورية بعدما استنتج الأميركون وحلفاؤهم أن الرئيس السوري مستمر في موقعه على رأس بلاده وأن على الأطراف أن تتعامل مع هذا الأمر على أنه أمر واقع، وهو ما ابلغه جيفري فيلتمان الى أصدقائه في لبنان بحسب معلومات أحد المصادر، والثاني هو ملاقاة «إسرائيل» في حال دقت ساعة الحرب.. فالمنطقة العازلة سيمرح فيها الدوليون عسكرياً وامنياً واجتماعياً وسياسياً في حين أنها سترضي الحانقين من العرب بعد هزيمتهم مرتين، واحدة في لبنان وأخرى في سورية.

هذه الأهداف الدولية الغربية ـ العربية المشتركة ليس لها سوى منفذ واحد وهو «السلفيون» أو «القاعدة».. لا فرق!.

السابق
أخمدت في طرابلس فأشعلت في عكار
التالي
السفير: عكار مع الجيش في مواجهة الفتنة .. بالحقيقة