النهار: عكار بعد طرابلس والانفجار يتمدد بعد مقتل عبد الواحد

هل تقف المضاعفات الواسعة والبالغة الخطورة لمقتل الشيخ أحمد عبد الواحد ورفيقه محمد حسين مرعب أمس عند حاجز عسكري في الكويخات عند حدود "الانتفاضة" العارمة التي شهدتها مناطق عدة حتى ليل أمس؟ وهل تنجح السلطات السياسية والعسكرية والقضائية ومعها القيادات السياسية من مختلف الاتجاهات في منع انزلاق لبنان الى مرحلة ترتسم معها ملامح خطورة استثنائية استعادت بعضا من أجواء الحقب السود ومنها مقتل معروف سعد في صيدا مطلع الحرب او حادث الصدام بين الجيش ومحتجين في مار مخايل قبل سنوات؟
هذه المخاوف بدت ماثلة بقوة مساء أمس بعد اليوم العكاري المشحون والذي كاد يفجر احتقانات اكتسبت خلفيات خطيرة عقب حادث اطلاق حاجز للفوج المجوقل في الكويخات النار على موكب الشيخ عبد الواحد، المعروف بمناهضته الشديدة لقوى 8 آذار ومناصرته القوية للثورة السورية، مما أدى الى مقتله مع رفيقه.

ومع ان ظروف الحادث وملابساته لا تزال في انتظار التحقيق السريع الذي أوعزت بفتحه قيادة الجيش بمشاركة النيابة العامة العسكرية، اكتسبت الاجواء المحتقنة الناجمة عن الحادث بعداً شديد الخطورة في ظل حملات غير مسبوقة تعرض لها الجيش في الساعات الاولى التي تلت الحادث وبلغت حد المطالبة بانسحابه من مناطق عكار. غير أن تدخل القيادات السياسية البارزة والمشاورات العاجلة التي أجريت بعد تصعيد الحملات أعادت سقف المواقف الى حدود التهدئة من غير ان تحجب خطورة السباق بين احتواء ردود الفعل وتفجر الاحتقانات. وتمثل هذا الاحتقان خصوصا في اتساع ظاهرة قطع الطرق في معظم مناطق الشمال وخصوصا في عكار وطرابلس وامتدادها مساء الى اوتوستراد الناعمة – الجنوب، ومن ثم الى البقاع الغربي والبقاع الاوسط، وصولا الى مناطق كورنيش المزرعة وقصقص وفردان والمدينة الرياضية في بيروت.

وكشفت مصادر رسمية معنية بالمعالجات الجارية لـنا، ان التقارير التي تلقتها المراجع السياسية والأمنية عقب الحادث اتسمت بخطورة كبيرة من حيث التحذير من حال الاحتقان التي عمت مناطق عدة، خصوصا ان انتقال الاضطراب الامني من طرابلس الى عكار أثار مخاوف من أمر مدبّر يراد عبره إغراق لبنان في وضع غير مستقر على نحو منهجي.

وقالت هذه المصادر ان المعالجات الفورية سارت وفق خطوط متوازية، إذ تكثفت من جهة الاتصالات بين كبار الرسميين وقيادة الجيش من جهة والقيادات السياسية المعنية ولا سيما منها في "تيار المستقبل" والقيادات الدينية وسواها من جهة أخرى. أما في الجانب الآخر، فقد دفع مسار التحقيق العسكري في الحادث بسرعة، وحضر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر الى مكان الحادث وأجرى كشفا على سيارة الشيخ عبد الواحد واستمع الى شهادة مرافقه ثم توجه الى احدى الثكن العسكرية في عكار وشرع في التحقيق مع عناصر الحاجز العسكري الذي أطلق النار على موكب الشيخ. وأشارت الى ان التحقيق سيتواصل في الساعات المقبلة الى حين اتخاذ الاجراء المناسب.

ماذا حصل؟
وكان مرافق الشيخ عبد الواحد أدلى بتصريحات اعلامية اتهم فيها الضابط المسؤول عن الحاجز بتوجيه اهانات الى الشيخ بعد تجاوز سيارته الحاجز وقال ان الشيخ همَّ عند ذاك بالعودة وعدم إكمال طريقه ونزل من مقعده الخلفي وجلس الى مقعد القيادة مكان مرافقه بقصد العودة، وعندها انهمر الرصاص عليه لدى محاولته العودة.
وإذ رفضت كتلة نواب عكار حصر التحقيق بالتحقيق العسكري مطالبة بتحقيق قضائي محايد، قال مصدر في هذه الكتلة لـنا إن "التشنج كبير في عكار وهو مبرر فليس أمرا عابرا ان يقتل رجل دين عند حاجز أمني والناس في حال غضب شديد ولم يوفروا أحدا في التعبير عن مشاعرهم، لكن الامور يجب ان تنضبط في نهاية الامر بعد أيام، وقيادة الجيش اتخذت اجراءات لاستيعاب التشنج ونبذل كل جهدنا للتهدئة". لكن المصدر لم يستبعد "وجود خلفيات غير معلنة للحادث" مضيفا "أن الشيخ القتيل والضابط المسؤول عن الحاجز يعرف كل منهما الآخر جيدا".
وفي المقابل، برز تحفظ شديد لدى الجيش وقيادته عن الإدلاء بأي معلومات أو تعليق مسبق على الحادث. وعزت مصادر مطلعة ذلك الى انتظار انتهاء لجنة التحقيق العسكرية والقضائية من التحقيق "نظراً الى الحساسية البالغة لهذا الموضوع ولأن الاحاطة الكاملة بظروف الحادث لم تكتمل بعد" كما قالت هذه المصادر لـ"النهار".
وأفادت معلومات في هذا السياق انه لدى مرور موكب الشيخ على الحاجز طلب عنصر من السيارة الأولى التوقف فظن سائقها أن الأمر يعني السيارة الثانية في الموكب، عندها صرخ الضابط في السائق فتوقف وطلب من الركاب الترجل فنزل السائق من دون الشيخ ورفيقه مرعب، فأصر الضابط على ترجل الجميع. عندها رد الشيخ انه يفضل العودة وحصل تلاسن بين الضابط والشيخ. ولدى تغيير اتجاه السيارة نحو الحاجز مجدداً حصل إطلاق النار عليها وكان الشيخ يقودها وهي من طراز "رانج روفر".
وعلى اثر البيانات التي صدرت عن نواب عكار وقياداتها، متحدثة عن "اغتيال الشيخ" صدر بيان عن الرئيس سعد الحريري حذر فيه "أهلنا في عكار من الانجرار الى أي ردود فعل تستهدف نقل الفوضى الى منطقتهم"، كما حذر من "مخطط للنيل من مناطق لبنانية بعينها واستجرار الأحداث والمشاكل اليها خدمة للنظام السوري وأدواته". وأعلن "أننا لا نضع عملية القتل في خانة الجيش اللبناني بالجملة وهو المؤسسة الوطنية العسكرية التي طالما وقف أهل عكار الى جانبها وكانوا خزاناً لها"، مضيفاً: "ولكن من الواضح أن ثمة مندسين ومتورطين في هذه العملية يريدون تسخير المؤسسة ورمزيتها لاستيراد أزمة النظام السوري الى لبنان".

اجتماع السرايا
وكشفت أوساط مطلعة مساء أمس أن مجمل الاتصالات أدت الى توافق عام على ترك التحقيق يأخذ مجراه وخصوصاً في ضوء تعهدات واضحة للتعجيل في التحقيق واتخاذ الاجراءات الحازمة على أساسه.
وتشير هذه المعلومات الى أن الاجتماع الأمني الذي انعقد في السرايا مساء أمس تناول ملابسات الحادث والمضاعفات التي أثارها والسبل الممكنة لاحتواء ردود الفعل، علماً أن التقارير عن قطع الطرق بالاطارات المشتعلة في عدد كبير من المناطق كانت ترد تباعاً على المجتمعين.
وأوضحت أن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي شدد على التزام الاجراءات المسلكية والجزائية التي ستنجم عن التحقيق في شأن من يثبت تورطهم في الحادث. وأبرزت خطورة المناخ الذي أشاعه الحادث عن "انحياز الجيش".
وتحدث قائد الجيش العماد جان قهوجي معرباً عن أسفه لأن الجيش يدفع ثمن محطات معينة، مشدداً على أن الجيش ليس منحازاً الى أي فئة، ومؤكداً انه لم يتدخل مع التحقيق وانه سيقبل بأي نتيجة يخرج بها القضاء. كما اثيرت في الاجتماع قضية مطالبة أحد المسؤولين الحزبيين (رفعت عيد) بدخول الجيش السوري لبنان. ونقل عن وزير العدل شكيب قرطباوي ضرورة عدم السكوت عن هذا الموضوع وكذلك عدم السكوت عن رفض أي لبناني دخول الجيش اللبناني أي منطقة. ولفتت الأوساط نفسها الى أن المجتمعين تشاوروا في موضوع الاتهامات التي وجهها المندوب السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري الى جهات ومناطق لبنانية والتي وصفت بأنها غير صحيحة إطلاقاً.
وسجل تطور أمني ليلاً باطلاق نار في محيط جامعة بيروت العربية خلف كلية الهندسة، تطور الى اشتباك بين تنظيمين محليين وتدخل الجيش وأعاد الهدوء الى المنطقة. وأفادت معلومات أن ستة أشخاص اصيبوا بجروح ونقلوا الى مستشفى المقاصد.
وأعلن "تيار المستقبل" مشاركته في الاضراب العام الذي دعت اليه دار الفتوى اليوم، فيما دعت "القوى السياسية والاسلامية لمدينة طرابلس" بعد اجتماعها في منزل النائب محمد كبارة مجلس الوزراء الى احالة "جريمة اغتيال" الشيخ عبد الواحد على المجلس العدلي "والاسراع في محاسبة الأمنيين المرتكبين".
يشار في هذا السياق الى ان وزير التربية حسان دياب نفى مساء إصدار أي بيان يدعو الى اقفال المدارس والجامعات اليوم.

السابق
السفير: عكار مع الجيش في مواجهة الفتنة .. بالحقيقة
التالي
الدوحة – بيروت: فائض الأمل واليأس