الاخبار: توتر الشمال ينفجر عسكرياً في بيروت

بدت البلاد أمس في حالة حرب، أو هي أقرب إلى ما عاشته بصورة متكررة منذ عام 2005. قُتل الشيخان أحمد عبد الواحد وخالد مرعب على حاجز للجيش في عكار، فقطعت الطرقات في أرجاء لبنان، قبل أن ينفجر التوتر عسكرياً في قلب بيروت، وفي الطريق الجديدة تحديداً. فبعدما باشر أنصار تيار المستقبل قطع الطرقات في العاصمة (كورنيش المزرعة وفردان والمدينة الرياضية)، أطلق أحدهم النار نحو دورية للجيش قرب المدينة الرياضية، قبل أن يندلع اشتباك مسلح بين مناصري حزب التيار العربي، الذي يقوده شاكر البرجاوي، ومناصري المستقبل الذين حاولوا اقتحام مركز الحزب.

واستمرت تلك الاشتباكات حتى ما بعد منتصف الليل، وسط حشد المستقبل لمناصريه بهدف إحكام السيطرة على المكتب. كذلك انتشر عدد من مناصري المستقبل على أسطح بعض الأبنية في كورنيش المزرعة، تحسباً لتوسع رقعة الاشتباكات. واستخدمت في المعارك الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية، ما أدى إلى سقوط نحو 10 جرحى، بينهم عسكري من الجيش.
ميدانياً، بدت الدولة فاقدة لأي سلطة على الأراضي اللبنانية. وفي الحد الأدنى، مرتبكة، كما وزير التربية حسان دياب الذي جرى تداول بيان صادر عنه بإقفال المؤسسات التعليمية اليوم، قبل أن يصدر بيان ينفي البيان الأول.
أما تيار المستقبل، فظهر بلا قدرة على ضبط جمهوره، فلجأ إلى تحميل «مندسين» و«الغوغاء» مسؤولية قطع الطرقات. وفيما أكد الرئيسان سعد الحريري وفؤاد السنيورة، اللذان أدانا قتل الشيخين، ضرورة الحفاظ على الجيش، خرجت دعوات من نائبيهما في الشمال، خالد ضاهر ومعين المرعبي، لطرد الجيش من عكار، قبل أن يخرج رجال دين شماليون مهددين بإنشاء «الجيش اللبناني الحر»، أسوة بـ«الجيش السوري الحر».

بدأ التوتر أمس في عكار، وتحديداً في بلدة الكويخات، عندما أطلق عناصر الجيش المتمركزون عند حاجز البلدة النار نحو موكب متوجه للمشاركة في مهرجان دعا إليه النائب خالد ضاهر في حلبا، ما أدى إلى مقتل عبد الواحد ومرعب. الجيش برر الأمر بأن الموكب لم يمتثل لأوامر الحاجز بالتوقف، بعد ملاحظة وجود أسلحة فيه، وأن من كانوا في داخله بادروا إلى إطلاق النار على العسكريين، ما أدى إلى إصابة جندي بجروح. في المقابل، نفى أحد مرافقي الشيخين رواية الجيش، مؤكداً أن الضابط المسؤول عن الحاجز أراد إذلال الشيخ، وإجباره على الترجل من السيارة، فقرر الموكب أن يعود أدراجه وعدم إكمال الطريق نحو حلبا، فأطلق عليه عناصر الحاجز النار، وأردوا الشيخين.
وما هي إلا دقائق حتى صارت الأخبار التي أعقبت الحادثة، بما تحمله من تأويلات، مجرد تفصيل بالنسبة إلى ما جرّته من تداعيات، بدأت بقطع الطريق في البيرة، بلدة القتيلين، وامتدت إلى قطع طرقات عكار كلها، وتجاوزتها لتشمل طرابلس والضنية، قبل أن تحط في البقاع وبيروت وطريق الجنوب.

سياسياً، بلغ بعض التصريحات مداه الأبعد على لسان النائب خالد ضاهر الذي كان ينتظر وصول الشيخ عبد الواحد ليزخم الاعتصام. وفور تلقيه الخبر، أعلن خالد ضاهر أنه «لا نريد أن نرى جيشاً أو مجوقلاً على حواجزنا» وأن الضابط الذي أعطى الأوامر «محسوب على العونيين وعلى حزب الله»، داعياً «أولادنا إلى أن يقعدوا في بيوتهم ولا داعي للدفاع عن نظام حزب الله».
أما النائب هادي حبيش، الذي أدان بدوره تصرف الجيش، فصرح رداً على «الدعوة إلى طرد الجيش من عكار» بقوله «لم يدعُ أحد إلى طرد الجيش اللبناني من عكار» والكلام الذي قيل «فورة دم كتير كبيرة».
وعصراً، صدر بيان عقب اجتماع عقدته كتلة نواب عكار في بلدية حلبا، بحضور مفتي عكار السابق بالوكالة الشيخ أسامة الرفاعي والأمين العام للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الشيخ خلدون عريمط، تكررت فيه الكثير من المواقف التي صدرت طوال النهار، مع ميل نحو دعوة الناس إلى الهدوء عبر فتح الطرقات. وبدا ذلك من تلاوة النائب خالد ضاهر البيان وقوله رداً على أسئلة الصحافيين: «أكيد إن قطع الطرق لا يخدم المواطنين، ونحن متمسكون بتسهيل أمورهم، وهذا الأمر لن يدوم وسوف يتوقف إن شاء الله في أقرب وقت». وليلاً، اتهم النائب معين المرعبي قائد الجيش العماد جان قهوجي بالمسؤولية عما جرى، مطالباً بإقالته.

من جهة أخرى، بدت قيادة الجيش في بيانها الذي أصدرته عن تأليف لجنة تحقيق تضم كبار الضباط لتحديد المسؤول عما جرى، مدركة لخطورة الوضع في عكار، وخاصة في ظل ما يُحكى منذ بدء اشتباكات طرابلس عن نية إخراج المؤسسة العسكرية من الشمال، علماً بأن الجيش أخلى عدداً من حواجزه في مناطق التوتر مؤقتاً. وانتقل مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر إلى مكان الجريمة، حيث باشر تحقيقاته.
في السرايا، عقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أكثر من اجتماع، ليخرج في نهايتها مؤكداً ضرورة عودة الهدوء والابتعاد عن الخطاب المتشنج. وفيما استنفرت مختلف القوى السياسية مناصريها المسلحين والمدنيين، أدت أحداث أمس إلى إعادة فتح قنوات الاتصال المباشر بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط الذي اتصل برئيس المستقبل، للبحث في سبل وضع حد للانفلات الأمني. كذلك اتصل الرئيس نبيه بري بمفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباتني، معزياً بوفاة الشيخين، وداعياً إلى التهدئة. وفيما أعلن قباني الحداد في مؤسسات دار الفتوى، دعا إلى اجتماع طارئ لمجلس المفتين اليوم، بالتزامن مع تشييع جثماني الشيخين في بلدة البيرة العكارية.

السابق
الشرق الأوسط: توتر أمني في شمال لبنان بعد مقتل رجل دين على حاجز للجيش
التالي
الشارع السني لقيادته: الأمر لي!