استـراتيجيـة عشـريـة لـلمـرأة فـي لبنـان

لم يكن إطلاق «الاستراتيجية الوطنية للمرأة في لبنان 2011- 2021» في كلية الحقوق في «الجامعة اللبنانية»، أمس، بالأمر العادي.
لم تكن «الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية»، التي أعلنتها بحضور رئيستها وفاء سليمان، تضع، من موقعها كصلة وصل تنسيقية بين الدولة والمجتمع المدني، الأسس العامة للسياسة الرسمية المتبعة تجاه المرأة فحسب، بل أيضاً رؤية الهيئات والجمعيات النسائية للنهوض بواقع النساء في لبنان.
ربما أملت المرأة اللبنانية من الاستراتيجية تقديم ما يتخطى الخطوط العريضة والمبادئ العامة المصوغة بلغة مهذبة، لا بل ديبلوماسية في بعض نواحيها، إلى طرح المطالب – الحقوق، وخصوصاً العوائق التي تواجهها، بكل جرأة وصراحة، لا تقل عن وضع الإصبع على الجرح النازف.
ومن يعرف الدكتورة فاديا كيوان التي ساهمت في إعداد الاستراتيجية، كما استراتيجيتي العامين 2004 و1997، يدرك حجم «التهذيب» الذي يمكن أن يكون قد طرأ على النص النهائي الذي خرج إلى النور. فأداء كيوان، المعروفة بذهابها في مناصرة حقوق الإنسان عامة، والمرأة خاصة، لا يعرف المهادنة أو الهرب من تسمية الأمور بأسمائها، وهو ما لم يحصل في الاستراتيجية التي أطلقت أمس، والتي اقتصرت على عناوين عريضة تنسجم مع مبادئ الدستور، بما فيها مراعاته الطوائف وحيثياتها، وتكريسه ترك الدولة لأبنائها في أحضان طوائفهم.
وعليه، لم تقارب الاستراتيجية مطلب وضع قانون لبناني مدني للأحوال الشخصية كبند صريح وواضح في متن القضايا الجوهرية التي ترتكز عليها الاستراتيجية. بل قاربته في «المجال التشريعي والقانوني والتنظيمي» من باب ما ينص عليه اتفاق إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) ومطالبته لبنان بوضع قانون أحوال شخصية موحد.
ومن شأن القفز المرن الذي حاولت الهيئة اعتماده، عبر عدم مواجهة الطوائف بصراحة وجرأة، أن ينسحب على مجموعة من القوانين التي تميز ضد المرأة على أساس ديني وطائفي ومذهبي. قوانين لا تقف عند قانون حماية النساء من العنف الأسري، والحضانة وغيرها من الأمور المرتبطة بالأسرة، بل تقفز إلى حق المرأة بمنح جنسيتها لأبنائها، وما يواجهه من محاذير وعوائق تبدو خلفيتها الطائفية والديموغرافية واضحة.
ولا تقل مقاربة الاستراتيجية الوطنية موضوع تحفظات لبنان على اتفاق «سيداو» أهمية عن قانون مدني للأحوال الشخصية، إذ جرى عرض واقع تعامل لبنان مع الاتفاق وتحفظاته عليه، وضرورة «رفع التحفظات» لا كمطلب أساسي تصر عليه الاستراتيجية بقدر ما هو تذكير بما تطلبه «لجنة سيداو الدولية» من لبنان. يذكر أن تحفظات لبنان تطال الجنسية وقانونا مدنيا للأحوال الشخصية وحق المرأة بمقاضاة دولتها أمام مركز المرأة في نيويورك، وكلها أمور ترتبط بالبعد الطائفي غير المدني الذي يحكم قوانيننا.

وإذا كان الحراك الأساسي الذي يحصل في البلاد اليوم حراكاً نسوياً بامتياز في ظل غرق السياسة والسياسيين في سجالات يومية بعيدة من شؤون الناس، فإن استراتيجية الأمس الخاصة بالسنوات العشر المقبلة، لم تختلف في جوهرها وخطوطها العريضة عن استراتيجيتي 2004 و1997. وهذا يثبت أن العبرة ليست في وضع الخطوط العريضة، بقدر ما هي في التنفيذ وإيجاد الآليات الناجعة لتحقيق الأهداف، والأهم التقدم بها. ويمكن لجردة للتقدم الحاصل في تعديل القوانين الخاصة بالمرأة أن تثبت بطء التغيير، على الرغم من الحراك الحيوي الذي أوجده السعي لإقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري وتقديم أكثر من مشروع قانون لمنح المرأة جنسيتها لأبنائها، ووصول أحدها إلى جلسة للحكومة اتفقت اطرافها كافة على إسقاطه بامتياز.

سيخرج من الهيئة من يدافع بالقول إن الهيئة تسعى وفق إمكاناتها، ومن موقعها إلى إلقاء حجر في بحيرة التوافق النادر لجميع القوى السياسية على تكريس التمييز السلبي ضد المرأة في المجالات كافة. نعم، هناك جبهة سياسية وطائفية عريضة في مواجهة التقدم بواقع المرأة، ولكن ما ضير أن تأتي الاستراتيجية على مستوى الأحلام، وما دمنا نخطط ونحلم فلماذا لا يكون حلمنا متكاملاً وجريئاً ومواجهاً؟ أم ان الهيئة لا يمكنها الخروج من إطارها الرسمي الذي وضعها فيه قانون تشكيلها في العام 1998، ولا تريد لنفسها بما تضم من تمثيل رسمي ان تخرج عن صورة الدولة التي تنتمي إليها.
ويبقى أن إطلاق الاستراتيجية في صرح كلية الحقوق في «الجامعة اللبنانية» بما تمثله من صرح أكاديمي وحقوقي وطالبي شبابي يفرض تلك الأسئلة، ولا يقلل منها.

السابق
لبنان أحيا اليوم الوطني للتراث والمتاحف تفتح اليوم مجاناً للجميع
التالي
الهند ترفض استقبال باراك