مِنْشانْ الله … ارحل

السعي نحو الأفضل أمر بدهي في الفهم السليم للأمور، واتجاه الإنسان نحو التغيير هو قطعاً سلوكٌ فطري يحكمه العقلُ؛ فتتقدمُ عمومُ النشاطاتِ باتجاه حالة أكثر رُقيّاً وأفضلَ استقراراً وأجودَ أداءً، هذا إن كان الحاكمُ في المسألة هو العقل، أما إن حكمتِ الأهواءُ والنزوات ودوافع النفس دون ضبط فبلا شك إذا غاب العقل فلا مكان لشيء بعده، أما التغيير الطبيعي في المجتمعات فهي أمور منطقية تؤثر فيها عوامل الانغلاق والانفتاح الاقتصاديِّ، ويُسهمُ فيها سلبياً أو ايجابياً ارتفاع وانخفاض مؤشر الوعي لدى الناس، وكل ما سبق يضبطُهُ عاملُ الوقت إن أردنا ذاكَ التغييرَ طبيعياً، أما اختزال عنصر الوقت في عملية التغيير الاجتماعي سياسياً، فإن ذلك يعني اختصار خطوات عديدة لها آثارها في بناء جوانب مختلفة في المجتمع تربوياً واقتصادياً وسياسياً؛ ويمكننا إسقاط هذا الفهم المتكامل لعملية التغيير على أحوال العرب والمسلمين منذ فجر تاريخهم وقيام دولهم، ربما لا نعتب على العرب في العصر الجاهلي كثيراً لأن من طبعهم المأخوذ من بيئتهم الغزوُ ووأد البنات واستباحة الأرض، أما بعد أن صاروا مسلمين فإن مؤشر الرقابة عليهم عاليَ الحساسية لأنهم يُمثِّلون منهجاً جاءهمْ من السماء والأجدر بهم تمثيلَه بأنقى صورة، لذلك لم يكن مقبولاً اقتتال المسلمين على السلطة أو حمل السيوف على بعضهم في صدر الإسلام ليس لأن المسلمين في صدر الإسلام معصومون عن الخطأ فلا عصمة إلاّ للأنبياء، ولكن لأن حمل المسلم سلاحه على أخيه المسلم مرفوض عقلاً ومحرَّم في الدين إلا دفاعاً عن النفس وحماية للمجتمع.

ولأن السابق ربما يُبرِّرُ للاحقِ أعمالَه وَجَبَ علينا أن نترك أثراً كريماً وجليلاً للأجيال القادمة يَحْمدوننا عليه لا أن نَسُنَّ لهم الفوضى والتَّسرعَ وتكفيرَ الآخَرِ واستباحةَ الدماء! والنبي الكريم يُوصي في حجة وداعه: (لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقابَ بعض) ولم يقل: كفاراً تعبدون غير الله!! وإنما ربط الكفرَ باستباحة الدماء، إذا لا يمكننا أن نستسهل سفك الدماء بالخروج على الحاكم أو القتل أو إشاعة الفوضى بذريعةِ أن ذلك حدث في التاريخ! وما يُؤخذُ بالقسر لا يملكه صاحبُه والأيامُ دولٌ، لذلك وجب على عموم الأمة تحكيم العقل في الأمور وعدم استسهال سفك الدماء، وإن كان الأمر متعلقا برحيل حاكم، فالأولى المطالبة بذلك بتحكيم العقل والنظر في المكاسب الوطنية من وراء بقائه أو رحيله؛ أما السادة الحكام وأصحاب الفخامة والجلالة أيضاً فعليهم أن ينظروا بعين الرأفة تجاه شعوبهم؛ والمسؤولية كبيرة عليهم بعدم التسرع وترك البلاد لمن لا يُجيد وضع خطة مُتقنَة لنفسه خلال أُسبوع فكيف يحكمُ ويُديرُ وطناً؟! وإن كان الأوْلى هو الرحيل، فالأجدر بالحاكم أن يرحل تلبية لنداء العقل والحناجر المبحوحة والتي تقول: يا سيدي… ارحل، يا حبيبي ارحل، يا بعد عمري… ارحل، يعني بالمصري: والنبي… ترحل، وبالفلسطيني: وَلَكْ… ارحل، وبالأردني: طِنيبْ عليكْ… ارحل، وباللبناني: كِرْمالْ الله… وحزب الله… ارحل، وبالسوري: مِنْشانْ الله… ارحل.

السابق
الانباء: النائب الجميل أبلغ ملحم بركات استعداده للقاء الأسد!
التالي
الجنرال المفجوع