سياسة مذهبة الأزمات؟!

تتعدد أوجه الأزمة في المنطقة، لكنها تلتزم مساراً واحداً بفعل ترابطها المتين بحيث لا يمكن النظر الى ملف دون آخر، ذلك أن النزاع بات يقترب أكثر فأكثر من ارتداء قناع بشع عنوانه المذهبية والطائفية بشكل يعيدنا الى عصور الجاهلية والظلام.
ما يحدث في لبنان ليس بعيداً عما يحدث في كل من سورية والبحرين والعراق واليمن، وغيرها من الدول التي تشهد تسخيناً واضحاً على جبهاتها السياسية والأمنية، فيما الدول التي تشهد استقراراً مثل الخليج وإيران تتصاعد فيها وتيرة السجال السياسي الى ابعد حدوده من دون النظر الى ما يمكن أن ينجم عن ذلك من حروب قد لا تبقي ولا تذر.

أدى استفحال الأزمة في لبنان منذ أيار عام 2000، تاريخ انسحاب قوات الاحتلال «الإسرائيلي» من الجنوب تحت ضغط الأعمال العسكرية للمقاومة ومن دون تحقيق أية مكاسب بعد أكثر من عشرين عاماً من الاحتلال ومحاولة فرض صيغ سياسية من شأنها توفير استمرار السيطرة «الإسرائيلية» – الأميركية على المنطقة، أدى الى إعادة خلط أوراق كبيرة لا سيما بعد فشل الكيان «الإسرائيلي» في تحقيق الأهداف التي وضعها لحرب العام 2006، والتي تلت مجموعة من الحوادث الأمنية في مقدمتها اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري الذي لم يخدم اغتياله إلا مصلحة «إسرائيلية» بعد رصد تداعيات ومفاعيل هذا الاغتيال.

منذ تلك الفترة والأمور تتصاعد بشكل دراماتيكي انطلاقاً من مساحة محددة وهي لبنان وما يحصل فيه من حرب باردة هي امتداد للحرب الساخنة، دارت وتدور حول هدف واحد وهو سلاح المقاومة الذي تعتبره «إسرائيل» العائق الأكبر أمام سيطرتها والخطر الأبرز على وجودها في ظل صراع ايديولوجي لا تتوفر فيه اية مساحة لتسوية ما، على غرار ما كانت تدأب على فعله مع الدول العربية وأنظمتها منذ نشوئها حتى اليوم.
إلا أن «إسرائيل» استطاعت أن تنجح في إثارة مخاوف هؤلاء العرب من إيران على مستوى المنطقة، فيما استطاعت أن تجند حلفاءهم في لبنان لخوض معركة مفتوحة ضد حزب الله ومقاومته وسلاحه لتتوحد الجهود «الإسرائيلية» – العربية ضمن مشروع واحد لم يجد المخططون له سوى عنوان واحد هو العنوان المذهبي، حيث بدا أنه الأكثر جذباً في الدول العربية التي تقودها المملكة السعودية بشكل مفضوح ومن دون خجل أو وجل، في وقت تقدم فيه «إسرائيل» على إطلاق التهديد والوعيد في ما يوحي أنها مستعدة لخوض الحرب العسكرية حتى من دون النظر الى ما يمكن أن يترتب عليها من صراع مفتوح لن يسلم منه أحد حتى الأقليات الدينية التي تعيش وسط أكثريتين مسلمتين في هذه المنطقة.

ما تسعى اليه المملكة من خلال مجلس التعاون الخليجي من اتحاد مع البحرين كمقدمة لاتحاد على مستوى أوسع، ليس المقصود منه سوى أمر واحد هو محاصرة إيران تحت عنوان مذهبي، وهي المملكة الكبيرة التي كانت تدخلت في المملكة الصغيرة من خلال قوات «درع الجزيرة» لحماية حاكمها السني بالقوة العسكرية من حراك شيعي سلمي، فيما تسعى مع دولة قطر ودول أخرى الى تقويض الدولة في سورية التي ينظر اليها على أن رئيسها من الطائفة العلوية، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يكون مقبولاً لدى هذه الدول، فصار الهدف إسقاطه لا الإصلاحات التي طويت ورقتها وحذفت من الخطاب السياسي العربي والغربي تجاه سورية، بعدما نجح الرئيس بشار الأسد في وضع أسسها والبدء بتنفيذها بالرغم من حربهم عليه، ما أفقدهم ورقتها.
الخطوة السعودية باتجاه البحرين تؤشر الى المسلك الذي ستنتهجه تلك الدول وعلى رأسها السعودية في لبنان وسورية واليمن، وصولا الى توفير الغطاء السياسي للولايات المتحدة بهدف دفعها الى اتخاذ قرار مشترك مع «إسرائيل» لشن عدوان على إيران كما تشتهي الدولة العبرية، أو شن آخر على لبنان أو حتى على سورية في محاولة لتغيير قواعد اللعبة التي لم تنفع بتغييرها الأساليب التي اعتمدت حتى الآن، ما يقتضي التفكير بعملية «قيصرية» تحقيقاً لهذا الهدف.

إلا أنه بانتظار ذلك، فإن تحريك الساحتين اللبنانية والسورية عبر الدفع بما يسمى «السلفيين» الى تنفيذ المحاولة الأخيرة قبل الانفجار الكبير يتم على أكمل وجه ضمن مناورة أميركية واضحة تقوم على دعم هؤلاء وحثهم على المضي في فتنتهم من جهة، وتوفير المعطيات والمعلومات الأمنية لأخصامهم للقضاء عليهم وإعلان التحذيرات المتكررة منهم ومن أفعالهم من جهة ثانية.
لن تشهد المنطقة اي نوع من الاستقرار خلال عام، لما ستشهده من استحقاقات في طليعتها الانتخابات في لبنان التي وضعت على نار حامية باكراً ما يمكن أن يحدث ثغرة إيجابية أو سلبية في جدار الأزمة السميك، باعتبار أن هذا البلد يمسك بأوراق كاملة القوة ويشكل «نقطة تحول» رئيسية في السياسات المتبعة، وإلا فإن الأوضاع تبدو كارثية وفق ما يُقرأ من مسارات في ظل غياب أية أسس للتسوية.

السابق
العريضي يسأل: هل نلبي طلبات الأجهزة الغربية في وقت نتهم الغرب تسليح المعارضة في سورية…؟
التالي
فرع للفنون الفندقية في معهد حاصبيا الفني