اضراب السجناء

اتفاق آخر وقع مع السجناء الفلسطينيين. هذه المرة يتعهدون (مرة اخرى) بعدم الانشغال بالارهاب، واسرائيل تتعهد بالتسهيل. السبب الذي بموجبه ساءت الظروف نُسي. الخوف من سجين ميت كنتيجة للاضراب عن الطعام تغلب على الخوف من كسر المبادىء. الذاكرة قصيرة.
مريح للمخربين في السجن الاسرائيلي. نمط حياة يومية ثابت. شاشات تلفزيون، كانتينا، ترفيه، زيارات عائلات وظروف مريحة. كان أفضل ذات مرة، ولا بأس الآن ايضا، ومع ذلك طلب السجناء الفلسطينيون أكثر.
عشية تحرير جلعاد شاليط أثارت الشروط الاعتقالية للسجناء نقاشا جماهيريا لاذعا. وكانت النتيجة تقليص الامتيازات. وفجأة اكتشف الجهاز القضائي أنه لم يُكتب في أي كتاب قوانين ان حقوق الانسان تتضمن شهادات من الجامعة المفتوحة وقنوات كوابل. شاليط كان في حينه في أسره منقطعا، والجمهور الاسرائيلي وجد صعوبة في ان يفهم انعدام التوازن برعاية الدولة. والآن جلعاد شاليط في الخارج. ايجابا كان أم سلبا، اسرائيل دفعت الثمن الباهظ. المخربون الفلسطينيون الذين في الداخل، بالمقابل، يجدون طريق العودة الى الامتيازات المنشودة.
دولة اسرائيل حساسة للانتقاد الخارجي، وثمة من يقول حساسة جدا. حقيقة انه في أجزاء معينة من اوروبا اسرائيل هي مسبقا النذل في القصة لا تخفف من حدة معاضل من هذا النوع. واجب البرهان علينا دوما، وهكذا ايضا في حالة السجناء. على مدى نحو شهر أضرب نحو 1600 سجين أمني عن الطعام. وقد بدأوا تضامنا مع معتقلين اداريين وواصلوا التضامن مع أنفسهم والمطالبة بالامتيازات.
موجة الاضرابات بدأت مع خضر عدنان رجل الجهاد الاسلامي الذي أثبت بأنه اذا ما سار المرء بعيدا بما فيه الكفاية وعرض الصحة للخطر بما فيه الكفاية، فانه يمكن التأثير على الاسرائيليين. في شهر شباط من هذا العام، بعد شهرين من الصيام كمعتقل اداري، نجح عدنان في حمل النيابة العامة على الاعلان بأنها لن تمدد اعتقاله بعد 17 نيسان. عدنان لم يُفرج عنه، ولكنه أخضع المنظومة. على مدى شهرين خلق اهتماما عالميا بصحته، وعندما بات على شفا انهيار اجهزته نجا من القصة. بعد عدنان جاء دور هناء شلبي، معتقلة ادارية اخرى قامت بحمية على مدى ثلاثين يوما الى أن أُفرج عنها. ومن هناك شُق الطريق الى مئات المضربين.
المعضلة ليست بسيطة. من جهة صور سجناء يموتون ليست أمرا مرغوبا فيه للاعلام الاسرائيلي وهكذا ايضا نقاش دولي في موضوع الاعتقال الاداري الكائن القضائي الغريب الذي تُبقيه معظم الدول الديمقراطية في القانون ولكنها لا تستخدمه. من جهة اخرى في السجون يتم تعلم قواعد المساومة بسرعة. اذا كانت دولة اسرائيل تتنازل المرة تلو الاخرى خوفا من صور غير لطيفة، فالاستنتاج هو أنها ستتنازل مرة اخرى.
من الصعب القول أي حل عادل وأي حل حكيم، ولكن يمكن ويجب ايجاد طرق اخرى بدلا من منح الامتيازات للمخربين المحبوسين.
مروان البرغوثي، حبيب بعض الاسرائيليين، هو مثال مشوق. في بداية الطريق، عندما تردد حاييم أورون، عاموس عوز ورون بونداك على باب سجنه، درج البرغوثي على الاعلان عن الاضراب عن الطعام بين الحين والآخر. غير انه اكتشفت مصلحة السجون في حينه بأن هذا كان ترتيب عمل مريح جدا: البرغوثي كان هو الذي يعلن عن الاضراب ويأكل في الخفاء، أما الآخرون بسطاء الشعب فهم الذين يبقون جوعى. كل واحد ومهمته. صوره نشرت والاضراب انتهى.
ليس دوما أحابيلك هذه تنجح. احـــيــانا يجــب مواجهة الواقع غير اللطــيف، حتى لو كان له ثمن دعائي.

السابق
ما أولوية حزب الله في هذه المرحلة؟
التالي
انتصار الاسرى على الجلاد