نهاية صلاحية

فراغ القاعة وخواء المقاعد التي خصصتها الجامعة العربية للمعارضين السوريين في لقاء كان يفترض أن يجمعهم اليوم في القاهرة، لن يمثل انتكاسة لمسار التغيير في سوريا، ولا انحرافاً عنه. الأرجح انه سيكون دفعاً جديداً نحو المجهول السوري الذي لم تحن فرصة ظهوره بعد.
لم يكن إلغاء الاجتماع السوري المعارض في مقر الجامعة مفاجئا أو حتى ملحوظا. كان أشبه بترجمة شديدة الواقعية لحال المعارضين السوريين الذين فتشت عنهم شاشات التلفزيون في مستهل الانتفاضة الشعبية، واختارتهم لتقديم وجهة نظر غير رسمية بعدما ألقت عليهم صفات تمثيلية ليست لهم، مستمدة من الماضي الذي كان الشارع السوري ولا يزال يتحرك ضد جميع مظاهره ورموزه الموالية والمعارضة على حد سواء.
لم يكن من المبالغة القول انه جرى اختراع معارضة سورية تتحدث باسم ذلك الشارع وباسم ثورة كان النظام ولا يزال حتى اللحظة هو قائدها الفعلي ومصدر قوتها واستمرارها، والثابت أنه سيبقى كذلك، برغم كل المحاولات التي تجري لانتزاع المبادرة والقيادة منه، والتي كان اجتماع القاهرة اليوم يدخل في سياقها.

لم يسبب إلغاء الاجتماع خيبة. كان من الواضح أن المعارضين السوريين يختلفون في ما بينهم أكثر مما يختلفون مع النظام الذي يعارضونه، وذلك استنادا الى تاريخ الحياة السياسية السورية التي لم يتمكن حزب البعث من تعطيلها قهرا أو عبثا طوال العقود الخمسة الماضية. ثمة في التكوين السياسي السوري ما بني على النزعة الفردية وعلى الأساليب الفوقية في التعاطي مع الجمهور وعلى الأفكار الخيالية في توصيف الاجتماع السوري واقتراح الحلول لمعضلاته.
يضاف الى ذلك أن الاختراع المعارض لم يكن مفترقا عن الشارع بفعل الزمن أو المنفى، وما نتج منهما من شبهات وأسئلة حول جميع الشخصيات المعارضة من دون استثناء، بل أيضاً لأنه لم يُعثر على لغة مشتركة مع الجمهور الذي كان ولا يزال يتطلع الى تونس ومصر وليبيا واليمن، ويستقي من تجارب هذه البلدان ما ليس موجودا في أدبيات أي من الاحزاب أو التيارات أو الرموز السياسية المعارضة.

فراغ مقر الجامعة اليوم، هو برهان أخير على ان ما جرى اختراعه وتسويقه في الشهور الـ١٤ الماضية، استنفد غرضه تماماً، ولم يعد يصلح حتى لتغطية بعض مساحات البث التلفزيوني المباشر، التي تراجعت فيها حصة المعارضين «التقليديين» لمصلحة شبكة واسعة من «المراسلين» الميدانيين الذين يغطون الوقائع اليوم، لكنهم سينتقلون غداً الى تحليلها ووضعها في مسارها السليم.
لا أسف على انتهاء فترة صلاحية ذلك الاختراع المعارض، الذي لا يمكن أحداً أن ينكر أنه كان أحد أسباب بروز ظاهرتي الانشقاق العسكري والإرهاب الإسلامي وما تمثلانه من خطر على الاجتماع السوري، وعلى التغيير الذي كان يرجى ان يتم من دون حرب أهلية.

السابق
إمارة أهل السنّة في الشمال 
التالي
إسرائيل والقاعدة والمؤامرة