إلى متحاورين لا إلى متحاربين

في السياسة أن اللعب بالوقت الضائع، والتلاعب بالقضايا، والتعنت في المواقف، وإلغاء الآخر، يؤدي إلى المزيد من الخلاف والاختلاف بين الأفرقاء والإضرار بالمصلحة الوطنية وغرق الشعب في الإحباط، وإضعاف المؤسسات والقطاعات والإدارات العامة والخاصة، وما إلى ذلك من مؤشرات التصدع والتفكك في هياكل الدولة، والتصارع في العلاقات بين الفئات السياسية، والتسابق في ما بينها على المغانم الذاتية والنفوذ المناطقي والطائفي والمذهبي. هذا التوصيف والتحليل والاستنتاج يُشكّل بل يرسم صورة الوضع الراهن بكل التناقضات والتنابذ والتجارب والظنون والشكوك المتبادلة بين أفرقاء الساحة والساعة في الأجندة السياسية اللبنانية، ذات التجاذب وخطوط التماس مع الأجندة العربية والاقليمية والدولية.

الخروج من هذا التشابك والتقاطع والتداخل لبنانياً وعربياً واقليمياً ودولياً، هو مسؤولية وطنية ملقاة على عاتق الأطراف كافة، بعيداً عن التراشق الإعلامي والسياسي والاتهام المتبادل بين هذه الأطراف، حيث يحمّل كل طرف طرفاً آخر أسباب ذلك، وحيث يرى من زاويته الخاصة ومآربه الذاتية مسار الأمور الخلافية وتداعياتها القريبة والبعيدة، وحيث صار لكل طرف حكومته داخل الحكومة ومجلسه النيابي الخاص في مجلس النواب، وانعكاس هذا التشقق والانقسام الحكومي والنيابي على «الشارع» في ازمته المذهبية والطائفية والعشائرية الحديثة. من هنا، جاءت المبادرة الدستورية والميثاقية والقانونية لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في رسم خريطة الطريق للانقاذ على خلفية الحوار المجدي والدائم والمنتج والممنهج، وليس الحوار بالتصادم والتخاصم والاتهامات المتبادلة، وهذا لم تأخذ به غالبية الأطراف، فبقي الحوار رهين المتحاربين على الحصص وحاملي رايات الحرب على الدولة والوفاق والسلم الاهلي والاستقرار، وبفعل الامتناع عن الحوار المسؤول، فقد دخل الوضع الاقتصادي والمالي والخدماتي والإداري مرحلة الاهتزاز.

وعلى الصعيد العربي وبخاصة، ما يتعلق منه بالوضع السوري الراهن اعتمد لبنان: رئيساً ومجلساً نيابياً وحكومياً سياسة النأي عن الانزلاق السياسي والإعلامي إلى هذا الوضع واستتباع ذلك، بمنع تهريب السلاح والمسلحين من وإلى لبنان، كما اعتمد الابتعاد عن سياسة المحاور العربية والإقليمية والدولية حفاظاً على حرية قراره السيادي في علاقاته الخارجية.
في ضوء هذه المعطيات والتوقعات وحيثياتها، يكون من واجب الجميع الارتفاع إلى مستوى الاخطار والتحديات القائمة، بعيداً عن التلهي والتشاطر في توسيع الخلافات والانقسامات السياسية الراهنة، وعن تعطيل أو تأخير تنفيذ الطروحات والمبادرة الرئاسية للحوار والوفاق والإصلاح الحقيقي، وهي الطروحات والمبادرة المستقاة من الدستور ومندرجات خطاب القسم الرئاسي.

السابق
القذافيون
التالي
ابراهيم: المولوي ملفه شائك وكبير