إسرائيل والقاعدة والمؤامرة

لقد أصبح السكوت أو غضّ النظر عن الواقع القائم جريمة، إذ إنّه باسم مواجهة إسرائيل، يجب التسليم والخضوع لمنطق أنّ سلاح "حزب الله" يؤمّن التوازن الاستراتيجي مع تل أبيب، ويحمي لبنان ويحفظ كرامة شعبه إلى آخر هذه المعزوفة… وتحت عنوان القاعدة وأخواتها من سلفية وغيرها، يجب المحافظة "برموش العين" على سلاح هذا الحزب القادر وحده على التصدي للأصوليّات، وتوفير المظلّة الآمنة للناس… وبذريعة المؤامرة الكونيّة التي تُحاك ضدّ الحزب المنوّه عنه والذي يدافع عن "كرامة الأمّة وعزّتها"، يجب الوقوف صفّاً واحداً لإسقاط هذه المؤامرة وإعطاء الأولوية لمنطق "الصمود والتصدّي" بدلاً من التلهّي بشعارات "فارغة مثل الدولة والاستقرار والديمقراطية والحرية"…

لم يعد مسموحاً لهذه المسرحيّة أن تواصل عروضها على حساب المنطقة العربية وشعوبها، وفي طليعتها لبنان الذي تمّ تدميره وتفكيكه وتفتيته بذريعة إسرائيل والقاعدة والمؤامرة، فيما الهدف كان وما زال استباحته وخطفه واستخدامه لمصالح سورية وإيرانية.

ولم يعد مسموحاً مواجهة هذه التلفيقات بميوعة وتردّد واستيحاء، بل يجب قول الأمور كما هي، وذلك بأنّ المشكلة الأولى وما قبل الأخيرة متأتّية من إيران وسوريا و"حزب الله"، والتجربة أثبتت أنّ المساكنة مع هذا الثلاثي مستحيلة، وأنّ لا خلاص للبنان قبل هزيمة هذا المحور…

ولعلّ أهمية الثورات العربيّة أنّها أسهمت في فكّ عقدة الألسن، وتظهير المسائل على حقيقتها، إذ إنّه قبل هذه الثورات كان يُصوّر "حزب الله" على أنّه النموذج والمثل والمثال، فيما بات يُحرق اليوم علم هذا الحزب في العواصم العربية جنباً إلى جنب مع العلم الإسرائيلي، وبالتالي نجحت الشعوب العربية في التخلّص من "عقدة" إسرائيل على قاعدة أنّ العداء الحتمي لهذه الدولة العنصرية لا يعني التفريط بالسيادة والاستقلال وتمكين مشروع إيراني مذهبي من التحكّم بمصير الدول العربية وأهلها.

ولكن، يا للأسف، ما ينطبق على الشعوب العربية الجريئة لا ينسحب على بعض المكوّنات السيادية في لبنان التي ما زالت تتلعثم وترتبك عند الكلام على إسرائيل والقاعدة وأخواتهما، فيما المطلوب أن تكون اللغة واضحة، واللهجة حاسمة في مواجهة هذا المنطق: كلّ من يعتدي على السيادة اللبنانية هو عدوّ أكان اسمه سوريا أم إسرائيل، ومن ثمّ مَن كلّف "حزب الله" بحمل السلاح والتذرّع بالدفاع عن لبنان؟

لقد شكّل سلاح الحزب خروجاً على اتّفاق الطائف، وكان يجب نزعه أسوة بسائر الميليشيات.

والقوى المسيحيّة التي غطّت هذا الاتّفاق لم تكن في وارد تغطيته لو أنّه يتيح لحزب شيعي حمل السلاح تحت ما يسمّى مقاومة، لأنّ الانقسام الذي كان قائماً هو من طبيعة طائفية، وبالتالي تمكين حزب شيعي يعني الإخلال بالتوازن الوطني، وإفساح المجال أمام مكوّن طائفي بحكم البلد بقوة الأمر الواقع… وهذا ما حصل ويحصل عمليّاً…

المشترك بين اللبنانيين هو الدولة فقط لا غير، فإمّا أن تتنازل المكوّنات على اختلافها لمصلحة هذه الدولة، وإلّا فعلى الأخيرة السلام، لأنّه إذا كان يظنّ "حزب الله" أنّ باستطاعته استنساخ مرحلة الوصاية السورية بتدجين الجماعات اللبنانية فهو مخطئ، لأنّ الزمن اللبناني والعربي تغيّر، ولم يعد أحد في وارد التسليم بمنطق العبودية، والثورات العربية، وتحديداً السورية، هي أكبر دليل. وما حصل في طرابلس دليل آخر ومبرّر، لأنّ ما ينطبق على الأخيرة يجب أن ينسحب على الضاحية، الأمر غير القائم طبعاً، لا بل إنّ ثمّة استهدافاً مقصوداً ومبرمجاً لكسر شوكة مدينة الفيحاء التي شكّلت حاضنة فعلية للثورة السورية، وهذا الاستهداف هو بأوامر سورية مباشرة.

وقد أسقط شباب باب التبّانة، الذي حاول البعض تصويرهم زوراً بـ"فتح الإسلام"، من خلال الكلام على نموذج "نهر البارد"، و7 أيّار جديد الهدف منه، بطبيعة الحال، تركيع أبناء هذه المدينة وإخضاعهم ليتخلّوا عن الثورة السورية، ويسلّموا بمشيئة سوريا و"حزب الله".

إن تفكّك الدولة في العام 1975 دفع اللبنانيين مرغمين إلى حمل السلاح دفاعاً عن أهلهم وكرامتهم وبلدهم، فلا يجب دفع اللبنانيين مجدّداً إلى هذه المغامرة التي لا يرغب أحد في تكرارها، فيما الأمل الوحيد يبقى في أن تشكّل الأحداث الطرابلسية إنذاراً بأنّ البلاد تنزلق رويداً رويداً إلى ما قبل العام 1990، الأمر الذي يجعل عودة الجميع إلى الدولة أمراً ملحّاً قبل فوات الأوان، وإذا كان المجتمع الدولي يرغب فعلا في مساعدة لبنان بعدم الانزلاق إلى مستنقع الحرب الأهلية مجدّدا، فما عليه سوى التسريع في حسم الوضع السوري.

السابق
نهاية صلاحية
التالي
إقفال مكاتبها