هزّة طرابلس مجرّد رسالة؟

مريبة جداً الهزَّة الأمنية التي تتعرَّض لها طرابلس الفيحاء، والتي تكاد تعيدها الى أزمنة الفلتان والمرحلة الظلاميّة، وتعيد معها كل الشمال وكل لبنان ودويلاته الى التسيّب والفوضى والحروب التي فتكت بالأخضر واليابس.
"تنذكر ما تنعاد"، قالها الناس أمس وردّدوها بوجل وهم يتحدثون عن دور طرابلس الأساسي في السراء والضراء، في السلم والحرب، كما في الحفاظ على ميثاق العيش المشترك أو فرطه.

لقد كانت العاصمة الثانية، منذ عصر الرئيس عبد الحميد كرامي ولا تزال الى يومنا هذا، هي "المرجعية الشعبية" للوضع السياسي في لبنان، وهي ساحة الشرارة والشعلة لانطلاق تظاهرات الاحتجاج والغضب في لبنان والمنطقة العربية بأسرها.
فما الذي حدث، وما "الأمر الآخر" المخفي خلف حادث الاعتقال، الذي بدا من ذيوله كأنه قنبلة موقوتة، أو كلمة سرّ، أو إشارة متّفق عليها للنزول الى الشوارع، واقتحام الساحات، وتغطية فضاء المدينة المضطهدة بدخان الحرائق والقنابل ومطر الرصاص؟
كثيرون فوجئوا بتطوّر إجراء أمني عادي الى مشروع مواجهة دموية واسعة، كان متوقعاً أن يهبّ كل عقلاء لبنان ومسؤولوه لوأده في مهده، ولوأد الفتنة الكبرى معه. وسيبقى ذلك متوقعاً للتأكيد لطرابلس والطرابلسيين والشماليين عموماً، ولكل اللبنانيين، أن الفيحاء ليست متروكة لقدرها، وليست وحدها تقلع نيران حرائقها بيديها.

وليست، في كل حالاتها، مثل شجرة مهجورة على مفرق معزول في مهبّ رياح المصالح ورياح المغامرات ورياح الاهواء، أو في مهب السلاح المنتشر أكثر من الخبز. مع كل فتى وفي كل بيت. كما انها ليست هي المقصودة بقدر ما هي الوسيلة، أو من يقوم بمهمة ساعي البريد… وقد وصلنا عزيز كتابكم.
المهمّ والأهمّ أن المدينة التي لم تعرف الاستقرار والأمان منذ عقود الحروب القذرة، ليست وحدها مستهدفة بهذه الهزة التي قد نصحو عليها زلزالاً أو إعصاراً.

هذا إن لم نكتشفها وقد تحوّلت منطلقاً لطوفان يغمر كل هذه الجغرافيا التي لا تختلف عن الأيتام والتائهين.
أياً تكن التبريرات والاجتهادات المتأخرة، فالحدث الطرابلسي لا يختلف بخطورته وخلفياته عن ناقوس الخطر. بل هو رسالة تحذير جماعي… يُذاع عادة بمكبرات الصوت، أو عَبر وسائل الاعلام المقروءة والمرئية.
ولا شيء يمنعه من أن يكون تنبيهاً مغمساً بالدم، وبرسم الرؤساء والزعماء وجهوري الأصوات ومرجعيات الخطب الرنانة والفتّاكة، مبلّغاً مَنْ يعنيهم الأمر أن نيران الحريق السوري قد اجتازت الحدود. وها هي "مشاعلها" تلوّح لكم من طرابلس.
فلعلكم تحسنون قراءة الرسالة وتتفكرون.

السابق
النهار: حرب شوارع تستبيح طرابلس وتُنذر بالأسوأ والجيش يرفض توريطه قبل سحب المسلحين
التالي
السفير: طرابلس ـ الضحية: الأمن يعود مع الجيش اليوم