سورية: أطول مما نعتقد !

من الواضح ان النظام السوري يحاول تصوير ان معركته مع «القاعدة» في حين انها مع الشعب السوري. لا يدرك ان ما يقوم به من مناورات بائسة لم يعد ينطلي على احد. من هذا المنطلق، نرى محاولات يبذلها من اجل الاستفادة من التفجيرين الاخيرين في دمشق وهما، اضافة الى تفجير حلب، عمل ارهابي ذهب ضحيته عدد كبير من المواطنين.
يشكل تفجيرا دمشق ثم تفجير حلب، نقطة تحوّل في الازمة التي يمرّ بها هذا البلد العربي المهمّ منذ نحو اربعة عشر شهرا. لماذا تشكل هذه الانفجارات، وهي ليست الاولى من نوعها في سورية نقطة تحوّل؟
الجواب انه اذا تبيّن ان النظام وراء التفجيرين، يكون فقد مبرّر وجوده، نظرا الى ان مهمّة اي نظام حكم في العالم حماية الشعب اوّلا وخدمة مصالحه. اللهمّ الا اذا كان هذا النظام، الذي هو نتاج انقلاب عسكري، نفّذ قبل تسعة واربعين عاما، يستمّد شرعيته من قدرته على قمع الشعب وإذلاله الى ما لا نهاية.

لنفترض ان لا علاقة للنظام بالتفجيرات الاخيرة. اذا تبيّن ان تنظيم «القاعدة» الارهابي قادر فعلا على اختراق دمشق والوصول الى مكان قريب من موقع امني مهمّ وحسّاس، فهذا يعني في اقلّ تقدير ان هناك ما يشير الى ان العمود الفقري للنظام، المتمثل في السيطرة الامنية على البلد، لم يعد موجودا. ما قيمة النظام السوري، الذي ليس لديه ما يصدّره للدول المجاورة سوى الامن، بالمعنى السلبي للكلمة، عندما لا يعود قادرا على التحكّم بالشوارع القريبة من المواقع الامنية داخل دمشق نفسها او في حلب؟
في الحالين، هناك حال افلاس ليس بعده افلاس. ما يؤكّد هذا الافلاس، الرسالتان الموجهتان من النظام الى مجلس الامن التابع للامم المتحدة والى بان كي مون الامين العام للمنظمة الدولية. ترفض الرسالتان الاعتراف بالواقع المتمثّل في انّ هناك ثورة شعبية في سورية وان النظام الذي يواجه هذه الثورة انتهى في اللحظة التي اعتقد فيها كبار المسؤولين ان لا حل سوى الحلّ الامني. لو كان الحلّ الامني يشكّل مخرجا للنظام، لكان استطاع استعادة السيطرة على حمص وحماة والرستن ودرعا ودوما وادلب ودير الزور وعشرات المدن والبلدات والقرى منذ اشهر عدّة.
لو كان الحل الامني حلاّ لما كان النظام مضطرا الى الاستعانة بمجلس الامن والامين العام للامم المتحدة الذي لم يتوقف عن دعوة كبار المسؤولين السوريين، على رأسهم الرئيس بشّار الاسد الى اعتماد لغة العقل ووقف المجازر التي يذهب ضحيتها الابرياء الذين لا ذنب لهم سوى المطالبة بالحرية والعدالة وحد ادنى من الكرامة الانسانية.

لعلّ أخطر ما في الحدث السوري اعتقاد النظام انه قادر على الاستمرار الى ما لا نهاية في الحلّ الامني. تبيّن مع مرور الوقت ان رقعة الثورة تتسع اكثر فاكثر بشكل يومي. الدليل على ذلك ما يجري في دمشق وحلب اكبر مدينتين سوريتين. صارت دمشق وحلب في قلب الثورة وباتتا تشكّلان دليلا واضحا على ان الشعب السوري باكثريته الساحقة يرفض نظاما لا يؤمن سوى باستعباده.
متى يقتنع النظام السوري بانّ لا خيار آخر امامه سوى الرحيل؟ الخوف كلّ الخوف من ان النظام بات يراهن على انه قادر على متابعة عملية الهروب الى الأمام عن طريق القاء اللوم على قوى خارجية واتهامها بانها وراء تأجيج الثورة والعمليات الارهابية.
قبل كلّ شيء، ينسى النظام السوري ان القوى الخارجية هي التي تدعمه بالمال والسلاح والمواقف السياسية. هناك تورط ايراني وروسي وصيني، الى حدّ ما، في عملية التصدي للشعب السوري والسعي الى قهره. اما بالنسبة الى الشكوى من تهريب السلاح، ليس سرّا ان كلّ السلاح الذي دخل لبنان منذ ما قبل الحرب الاهلية في العام 1975 جاء من سورية. ما دام النظام السوري يشكو من ان الاراضي اللبنانية تستخدم لتهريب اسلحة الى الداخل السوري، لماذا يصرّ على رفض ترسيم الحدود بين البلدين كي تسهل مراقبتها؟ لماذا يصرّ على اقامة قواعد لمنظمات فلسطينية تابعة له داخل الاراضي اللبنانية وتزويدها بالسلاح الموجه الى اللبنانيين؟

اضافة الى ذلك كلّه، لا يمكن تجاهل ان قسما لا بأس به من العمليات الارهابية التي استهدفت دولا عربية معيّنة في الخليج، انما خطّط له في دمشق وفي اماكن قريبة منها. اكثر من ذلك، حتى الامس القريب كانت الحكومة العراقية الحالية تتهم النظام السوري، بكل وضوح، بانّه وراء العمليات الارهابية التي تنفّذها «القاعدة» في بغداد ومناطق عراقية اخرى.
كيف يمكن لنظام لم يتقن يوما سوى لعبة ممارسة الارهاب القاء اللوم على الاخرين عندما يعجز عن الاعتراف بانه في مواجهة ثورة حقيقية تعبّر عن طموحات الشعب السوري وتطلعاته. انه الافلاس بعينه بالنسبة الى نظام لا يريد الاقرار بانه انتهى وان ليس امامه سوى الرحيل اليوم قبل غد.
بدل توجيه رسالتين الى مجلس الامن والامين العام للامم المتحدة، يفترض بالنظام السوري، في حال كان حريصا على سورية والسوريين، مباشرة التفاوض في شأن كيفية التنحي. انه الخيار الوحيد الذي يمكن التفاوض في شأنه قبل فوات الاوان وذلك من منطلق ان الثورة السورية قد تحتاج من الوقت كي تنتصر الى اكثر بقليل مما نعتقد… ولكنّ اقلّ بكثير مما يظن الرئيس السوري والمحيطون به!

السابق
مئتي غرفة في فندق
التالي
طرابلس للدولة.. لا للفوضى