النهار: حرب شوارع تستبيح طرابلس وتُنذر بالأسوأ والجيش يرفض توريطه قبل سحب المسلحين

بلغ الوضع المتفجر في طرابلس ذروة خطورته في اليوم الثالث مع وقائع ميدانية عكست استشراء الفلتان الميليشيوي المسلح وحرب الشوارع على الغارب في مقابل وقائع سياسية يخشى معها إطالة أمد فقدان السيطرة على هذا الوضع.
ومع ان المعلومات المتوافرة لدى "النهار" ليل امس افادت ان الاتصالات والمساعي التي تولاها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي أظهرت استعدادات لبدء نشر الجيش بكثافة مع ساعات الليل المتقدمة أو ساعات الفجر في مناطق التوتر والاشتباكات بالمدينة، فإن الواقع الميداني سجل تصعيداً عنيفاً بدا معه اليوم الثالث من الاشتباكات منذراً بتطورات أشد سوءاً وخصوصاً مع ارتفاع حصيلة الضحايا منذ السبت الى اكثر من ثمانية قتلى ونحو 80 جريحاً. واستعادت منطقتا "القتال" التقليدي باب التبانة وبعل محسن جولات التراشق والاشتباكات وسط انتشار كثيف للمسلحين، فيما بدأت ظاهرة نزوح الأهالي من منطقة القتال تتسع تدريجاً. وقطع أكثر طرق المدينة وسط تصاعد المخاوف من احتدام العنف وخصوصاً مع ادخال الهواوين في معارك الشوارع ليل امس.
وجاء هذا التصعيد عقب مضي القضاء العسكري في اجراءاته في استجواب الموقوف شادي مولوي الامر الذي ردت عليه القوى الاسلامية بتصعيد اعتصامها المفتوح في ساحة النور وتصعيد بعض القوى الطربلسية حملتها على جهاز الامن العام والحكومة. وأوضحت مصادر قريبة من الرئيس ميقاتي لـ"النهار" ان مجمل الجهود يتركز على تهيئة الاجواء لانتشار الجيش من دون التسبب بأي صدامات بينه وبين الاهالي، متوقعة ان تذهب الامور الى التهدئة. واذ علم ان ميقاتي سيتحدث اليوم عن وضع طرابلس في لقاء والاعلاميين المعتمدين في السرايا، اكدت المصادر القريبة منه ان لا صحة للمعلومات التي تحدثت عن ارجاء جلسة مجلس الوزراء المقررة غداً في قصر بعبداً، واوضحت ان الجلسة ستناقش الوضع في طرابلس الى جانب الملف المالي المدرج على جدول الاعمال.
وردت المصادر على دعوات بعض النواب والسياسيين الى ميقاتي للاستقالة بأن هناك قراراً واضحاً لمجلس الدفاع الاعلى بنشر الجيش ولا غطاء لأي مخالف أو مسلح، فلماذا لا يدعم هؤلاء هذا القرار فعلاً ولماذا يريدون وضع الجيش في مواجهة الاهالي والمزايدة على الحكومة ورئيسها؟ وشددت على وجوب نشر الجيش من دون حصول مواجهة، موضحة ان المعالجات تجري على هذا الاساس.

الجيش

وبرز في هذا السياق موقف متشدد للجيش من الكلام على بطء انتشاره والمواقف السياسية من الوضع الناشئ في عاصمة الشمال. وأوضحت مصادر عسكرية مواكبة للاتصالات الجارية حول احداث طرابلس لـ"النهار" مساء امس "ان الجيش موجود في طرابلس وانه يتصرف بطريقة حكيمة جداً وهو لم يتخل عن مهماته وواجباته ولن يتخلى عنها، الا ان الموضوع سياسي قبل ان يكون عسكرياً". وأضافت "ان المسلحين المنتشرين في الشوارع والذين يقطعون الطرق ويطلقون النار تابعون لمرجعيات وقوى سياسية طرابلسية عليها قبل ان تدعو الجيش الى ضبط الوضع دعوة مسلحيها الى الانسحاب من الشوارع ووقف اطلاق النار ورفع الغطاء عن اي مخل بالامن بدل المزايدة على الجيش". ولاحظت "ان جماعة هذا النائب الشمالي او ذاك هي التي تخرج اسلحتها الى الشوارع والاحياء السكنية، فهل يريدون ان يدخل الجيش في معركة معهم وان يسقط ضحايا ومدنيون بدل اعطاء الاوامر لمسلحيهم بإخلاء الشوارع، أم أن هناك محاولات لتوريط الجيش؟ وهل المطلوب فرز المدينة والغاء كل مظاهر الشرعية فيها؟ وهل يقال بعد اليوم إن السلاح ليس موجودا عند كل الناس؟" وإذ اتهمت المصادر العسكرية المسلحين بتقاضي أموال، شددت على ان "الزمن الذي يتواجه فيه الجيش مع أهله انتهى". وخلصت الى "أن للمدينة مرجعيات سياسية ودينية وفي امكان كل منها ان تمون على جماعتها وتخرجها من الشارع".

القضاء: مجموعة إرهابية

في غضون ذلك، ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر على ستة موقوفين بينهم شادي مولوي الذي كان توقيفه في مكتب للخدمات الاجتماعية التابع لوزير المال محمد الصفدي على أيدي الامن العام شرارة التفجير، وذلك بجرم "الانتماء الى تنظيم ارهابي مسلح بقصد ارتكاب الجنايات في لبنان والخارج والنيل من سلطة الدولة وهيبتها". وعلمت "النهار" ان بين الموقوفين أردنيا وفلسطينيا وقطريا، تركز التحقيق معهم على اتهامهم بالارتباط بتنظيم "القاعدة" وأحيلوا على قاضي التحقيق العسكري نبيل وهبه.
وقالت مصادر مسؤولة لـ"النهار" ان القضية التي أوقف فيها مولوي ورفاقه "تتصل بمجموعة ارهابية على ارتباط بالقاعدة وأفرادها من جنسيات مختلفة كانوا في أفغانستان وهم يحاولون تجنيد أشخاص لمصلحة التنظيم الذي ينتمون اليه".
وفي وقت لاحق مساء اصدر قاضي التحقيق العسكري مذكرة توقيف وجاهية في حق شادي مولوي، فيما ترك حمزة محمود طربيه بسند اقامة، كما ترك القطري عبد العزيز عطية بسند اقامة ومنعه من السفر، على أن يتابع اليوم استجواب الموقوفين الثلاثة الآخرين.
وفي مقابل هذا الاجراء القضائي، اتخذ وزير الداخلية مروان شربل اجراء استدعى بموجبه الضابط الذي دخل مكتب الوزير الصفدي في طرابلس الى مركزه في الامن العام "لاجراء التحقيق المسلكي في كيفية دخوله المكتب والذي أدى الى توقيف المدعو شادي مولوي".

الحريري

وفي اطار المعالجات السياسية للوضع في طرابلس، أجرى الرئيس سعد الحريري مساء امس اتصالات شملت رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس فؤاد السنيورة ومفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، وقائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي وعرض معهم "الخطوات المطلوبة لمتابعة معالجة الوضع الميداني المتفجر بين منطقتي بعل محسن وباب التبانة، والعمل على انهاء الاشتباكات".
وعلمت "النهار" ان الحريري طالب العماد قهوجي بتدخل الجيش مؤكدا دعمه الكامل لهذه الخطوة وضرورة رفع الغطاء عن كل المسلحين.
وكان الحريري التقى في أبوظبي التي غادرها امس الى الرياض ولي العهد الاماراتي الشيخ محمد بن زايد.

السنيورة

وبرز على الصعيد السياسي تحرك للرئيس فؤاد السنيورة الذي أجرى اتصالات شملت رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس ميقاتي. وعلمت "النهار" ان السنيورة أكد في هذه الاتصالات ولا سيما منها مع ميقاتي أن "تيار المستقبل" لا يغطي أي مسلح ويطالب السلطة السياسية بانزال الجيش والقوى الامنية في طرابلس لقمع أي مخالفة، وأن تيار المستقبل ينتظر الساعات المقبلة لمعرفة كيف ستتحمل السلطة السياسية مسؤولياتها.
وأبلغ منسق "تيار المستقبل" في طرابلس النائب السابق مصطفى علوش "النهار" ان تخوف القيادة المحلية للجيش في المدينة من انعكاسات صدام مباشر مع المسلحين شكل أهم اسباب التريث في تطبيق خطوات الانتشار المتفق عليها. وتساءل علوش "كيف يكون شادي مولوي عضوا في القاعدة ويستدرج بمبلغ زهيد هو 750 الف ليرة يحتاج اليها لاخراج زوجته من المستشفى؟". وأضاف: "كان يفترض في القوى الامنية ان تقوم بدورها بعيدا من اسلوب المافيا والجهاز الذي نفذ عملية التوقيف يشتبه في تعامله الوثيق مع النظام السوري وحزب الله وقد تكون الغاية استدراج ردود فعل كما حصل في اليومين الاخيرين لاظهار طرابلس مدينة خارجة على القانون". وأعرب عن تخوفه من اتجاه الموقف "الى أسوأ على كل المستويات".

باريس وبرلين

الى ذلك، بدأ الوضع في طرابلس يثير ردود فعل غربية يغلب عليها التخوف من طابع امتداد الازمة السورية الى لبنان.
وقد نددت الحكومة الفرنسية بأعمال العنف الدامية التي حصلت في طرابلس ودعت اللبنانيين الى عدم استيراد النزاع السوري.
وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو بأن "فرنسا تدعو جميع اللبنانيين الى وضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار وتغليب الحوار والوحدة الوطنية والسلم الاهلي تفاديا لاستيراد نزاع لا علاقة لهم به الى بلادهم".
كذلك حذر وزير الخارجية الالماني غيدو فيسترفيله من أن يؤدي العنف في سوريا الى أزمة في المنطقة كلها. وقال في تصريح أمس إن ثمة مؤشرات أولية تدعو الى القلق من أن ينتقل العنف الحالي في سوريا الى دول مجاورة مثل لبنان.

السابق
اجتماع في السراي الحكومي
التالي
هزّة طرابلس مجرّد رسالة؟