الشرق الأوسط: طرابلس بين نار المعارك المسلحة وتهديدات بتصعيد ردود فعل المعتصمين مقتل 5 أشخاص في الاشتباكات المستمرة بين مقاتلين في جبل محسن وباب التبانة

اتخذت الأوضاع الأمنية والعسكرية المتفجرة في مدينة طرابلس منحى تصعيديا خطيرا، على أثر تسلم القضاء العسكري الناشط شادي المولوي، الذي كان توقيفه سببا لاندلاع الاشتباكات في المدينة، والادعاء عليه بالانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح، وهو ما تبعه تهديد القوى الإسلامية والسفلية في طرابلس بالتصعيد وقطع الطريق الدولية بين بيروت وطرابلس ردا على إحالة المولوي إلى القضاء.

وأفاد مصدر أمني لبناني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن خمسة أشخاص قتلوا يوم أمس في الاشتباكات المستمرة في مدينة طرابلس. وقال المصدر إن أربعة قتلى سقطوا في منطقة جبل محسن ذات الغالبية العلوية المؤيدة للنظام السوري، بينما قتل آخر في منطقة المنكوبين المتاخمة لمنطقة باب التبانة ذات الغالبية السنية المؤيدة لحركة الاحتجاج السورية. وبذلك ترتفع حصيلة المواجهات التي اندلعت السبت إلى ثمانية قتلى، بينهم ضابط في الجيش، وعشرات الجرحى، بينهم عسكريان.
ولليوم الثالث على التوالي عاشت مدينة طرابلس (شمال لبنان) يوم أمس على وقع الاشتباكات المسلحة بين جبل محسن وباب التبانة، الواقعتين في شمالها من جهة، وتهديدات المعتصمين في ساحة عبد الحميد كرامي، مطالبين بالإفراج عن الموقوفين الإسلاميين في جنوبها، من جهة أخرى. وبالتالي فإن المدينة وللمرة الأولى منذ أحداث مايو (أيار) عام 2008 تشهد توترا كبيرا من هذا النوع، بينما يعيش السكان مخاوف من تصعيد يبدو وكأنه يفلت من أيدي الزعامات السياسية الرئيسية للمدينة، لصالح مجموعات صغيرة متفرقة، وهو ما يفسر إغلاق المحال التجارية، ورغبة الأهالي في الاحتماء ببيوتهم. وازدادت المخاوف بعد أن ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، أمس، على 6 موقوفين بينهم الموقوف شادي المولوي، بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح وارتكاب الجنايات على الناس والأموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها.

وجدير بالذكر أن توقيف شادي المولوي يوم السبت الماضي، من قبل الأمن العام اللبناني، كان الشرارة التي أطلقت التوترات التي على أثرها اندلعت المعارك. ورغم أنه لا رابط من حيث الظاهر بين اعتصام الإسلاميين المطالبين بالإفراج عن الموقوفين منذ عشرة أيام، وبدء المعارك المسلحة يوم السبت في منطقة أخرى من طرابلس بعيدة نسبيا عن موقع الاعتصام، فإن ثمة ترابطا مفصليا خفيا بين الموضوعين. وبعد إلقاء القبض على المولوي يوم السبت قطع المعتصمون الطرقات وأشعلوا الإطارات وطالبوا بالإفراج عنه فورا، إلا أن ما حدث يوم أمس من الادعاء عليه بدل الإفراج عنه قد يعقد الأمور.

وقال الشيخ عمر بكري فستق، الذي يرابط مع المعتصمين في إحدى الخيام الموجودة في ساحة عبد الحميد كرامي يوم أمس، لـ"الشرق الأوسط" بعد صدور القرار القضائي: "كنا نعتصم في الساحة منذ عشرة أيام لإطلاق 160 موقوفا إسلاميا، فإذا بقرار يصدر بتوقيف ستة إضافيين، وبينهم الأخ شادي، وهذا ستكون له ردود فعل بالتأكيد. وما حدث معناه أن اعتصامنا لم يؤخذ بعين الاعتبار، ولم يتم التجاوب معنا وإنصاف أهل السنّة". وأضاف بكري: "أعتقد وبحسب علمي بالأمور أنه في حال لم يعالج ملف الموقوفين الإسلاميين كما يجب، ستكون شرارة لربيع إسلامي في لبنان، ويبدو أن الدولة اللبنانية لم تتعظ بما حصل في دول أخرى".
وجدير بالذكر أن قضية الموقوفين الإسلاميين تعود إلى عام 2007 ومعارك نهر البارد حيث تم توقيف الكثير من الإسلاميين، ولا يزالون قيد الاعتقال رغم أن بعضهم لم يحاكم، ولا يزال ملفهم يتسبب في احتجاجات كثيرة. وجاءت قضية اعتقال السلفي شادي المولوي لتزيد القضية سخونة.
ويصرّ المعتصمون على أنهم يعبرون عن رأيهم بطريقة سلمية وليسوا هم من يشعلون الإطارات ويقطعون الطرقات، وهناك جهات أخرى تفعل ذلك، كما أنهم يقولون إنه لا علاقة لهم بما يحدث في باب التبانة. وقال الشيخ سالم الرافعي، الذي يصفه المعتصمون بأنه أميرهم: "اعتصامنا حضاري، واستنكارنا مسالم. أنا لست محافظ المدينة لأعرف من أحرق الدواليب، وأغلق الطرقات، أو من سيصعد غدا. نحن ننصب خيامنا ونعتصم حتى الإفراج عن الموقوفين، وليس معنا قطعة سلاح واحدة".
ورغم أن هناك من يقول إن الشيخ سالم الرافعي بات مسموع الكلمة لدى عدد لا بأس به من الإسلاميين وأن له مجموعات مسلحة في باب التبانة، لكنه ينفي مطلقا مثل هذه المقولات قائلا: "من اختطف شادي (ويقصد الأمن العام اللبناني) أمر حلفاءه في الشمال وفي جبل محسن بضرب أهلنا وإشعال حرب في باب التبانة. أنا فقط أقول كلمتي لمن يصلون عندي في المسجد ونأمرهم بالخير".
واستمرت المعارك العسكرية تخف وتيرتها وتعلو طوال نهار أمس بين منطقة باب التبانة التي تقطنها غالبية سنية، وجبل محسن الذي تقطنه غالبية علوية، وتبادل أهالي المنطقتين الاتهامات حول مسؤولية كل طرف عن استمرار القتال، مما رفع عدد القتلى إلى خمسة والجرحى إلى أكثر من خمسين.

في المقابل اعتبر عبد اللطيف صالح المسؤول الإعلامي في الحزب العربي الديمقراطي (العلوي) أن "المعركة تريدها جهة واحدة وهي التي تطلق النار. نحن من جهتنا لا نستخدم السلاح إلا حين يهجمون علينا من عدة محاور يريدون اقتحام مناطقنا، وهذا ما لن نسكت عليه".. متسائلا: "ما علاقتنا نحن بالقبض على شادي مولوي؟".
وقال صالح: "لماذا يهاجموننا ويجعلوننا مكسر عصا كلما أرادوا ذلك؟ الجيش موجود في مناطقنا وهذا شرف لنا، بينما لا يوجد عسكري لبناني في باب التبانة. هم الذين يعتدون على الجيش ويقطعون الطرقات ويشعلون الإطارات. نحن مجرد شارع واحد في مدينة طرابلس. ثم إنهم يقولون ليس عندهم سلاح، وهم يحاربوننا به طوال النهار! ثم لمن هي باخرة الأسلحة التي صودرت؟ ولمن مخزن السلاح الذي انفجر من مدة في أبي سمراء؟". وعن توقعاته عما سيحدث في الأيام المقبلة يقول صالح: "نحن نتمنى أن تهدأ الأمور، لكن القرار السياسي ضعيف، وليس هناك قرار قوي بدخول الجيش مما يجعل طرابلس مستباحة من الإسلاميين والإرهابيين الهاربين من سوريا".
من ناحيته نفى الشيخ مازن شحود، الذي شارك في الاجتماعات لتهدئة الوضع، أن يكون لمنطقته باب التبانة أي مصلحة في إشعالها حربا.. وقال: "نحن لسنا مجموعات غير منضبطة كما يقولون، واستطعنا أن نسكت الأسلحة (أول من) أمس وسحبنا المظاهر المسلحة كما طلب منا، لكن القصف تواصل علينا من جبل محسن". ويتابع شحود بالقول: "لا علاقة من قريب أو بعيد بين المعتصمين وتفجير الوضع في باب التبانة، لكن يبدو أن النظام السوري أوعز إلى جماعته بتفجير الواقع المناصر للثورة السورية، وخلق بلبلة، لفرض واقع جديد على المسؤولين اللبنانيين وعلى الرأي العام، ومفاد الأمر أنهم يريدون أن يفهمونا: ممنوع أن تقفوا مع الشعب السوري أو أننا نفتحها معركة عليكم في الوقت الذي نريد. لكن ما يسعون إليه لم ولن يتحقق".
وعلى الصعيد القضائي تسلم أمس مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر من جهاز الأمن العام ستة موقوفين بينهم شادي المولوي، وادعى عليهم بجرم "الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح وارتكاب الجنايات على الناس والأموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها، والتخطيط للقيام بأعمال إرهابية في لبنان وخارجه (سوريا)، وذلك سندا لمواد تنص على عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة". وأحالهم إلى قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا، طالبا استجوابهم وإصدار مذكرات توقيف وجاهية بحقهم.
وأوضحت معلومات أمنية وقضائية متقاطعة لـ"الشرق الأوسط" أن المولوي ورفاقه "ينتمون إلى تنظيم القاعدة المحظور في لبنان، وأن التحقيقات أظهرت أن لهؤلاء الموقوفين – ومعهم أكثر من عشرة أشخاص لبنانيين وسوريين ما زالت الأجهزة الأمنية تتعقبهم – نشاطات أمنية داخل لبنان وسوريا، ومنها إدخال السلاح والمقاتلين من لبنان إلى سوريا لدعم الثوار والجيش السوري الحر، الأمر الذي يلحق ضررا بأمن الدولة اللبنانية".
في هذا الوقت أعلن وكيل المولوي القانوني المحامي طارق شندب أن توقيف موكله "ليس قانونيا". وأوضح شندب لنا أن "هناك ملفا كان موجودا في الأصل لدى قاضي التحقيق العسكري أدرج اسم موكلي فيه، وكان يفترض بقاضي التحقيق أن يرسل تبليغا له ويستدعيه كشاهد أو مدعى عليه بدل خطفه بهذه الطريقة التي هي أشبه بالممارسة الميليشياوية".

وقال شندب: "برأيي إن موكلي تعرض لعملية خطف على يد جهة حزبية بهدف تصفيته، لكن عند افتضاح الأمر تبنى جهاز الأمن العام الموضوع، ومن ثم جرى الاتصال بمفوض الحكومة الذي غطى عملية التوقيف بالشكل الذي حصلت فيه، ومن ثم غطاها قانونيا بادعاء منفصل، وعلى كل حال سنحضر غدا (اليوم) مع الموكل جلسة الاستجواب ونطلع على الملف ونقدم دفاعنا وفقا للأصول".
وفي وقت تلاحقت الاجتماعات للفاعليات الطرابلسية السياسية والدينية والحزبية، بحضور ممثلين عن قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية الأخرى، وآخرها الاجتماع الذي عقد عصر أمس في منزل النائب محمد عبد اللطيف كبارة في طرابلس لرأب الصدع في المدينة، سجل انسحاب عضو كتلة المستقبل النائب معين المرعبي من هذا الاجتماع احتجاجا على ما سماه "امتناع الجيش عن التدخل لوقف القتال في طرابلس". واتهم المرعبي في حديث لـ"الشرق الأوسط" قيادة الجيش بـ"عدم تنفيذ قرارات المجلس الأعلى للدفاع"، محملا إياها مسؤولية "أي نقطة دماء تراق أو روح تزهق في طرابلس بسبب عدم الرغبة في دخول مناطق الاشتباكات".

وقال المرعبي إن "كل الفاعليات التي كانت حاضرة الاجتماع من نواب ووزراء وفاعليات المدينة كانوا مصرّين على دخول الجيش كل المناطق ورفع الغطاء السياسي عن كل المخلين بالأمن، لكننا فوجئنا بموقف ممثل قائد الجيش الذي رفض التجاوب مع هذا المطلب، وأجابنا بأن الجيش لن يدخل إلى مناطق الاشتباك من دون غطاء سياسي، فقلنا له إننا كنواب عن طرابلس وعكار وكل الشمال نوفر الغطاء السياسي للجيش، ثم قال له الوزير أحمد كرامي إنني حضرت كممثل للرئيس نجيب ميقاتي وأبلغكم قراره بتوفير الغطاء السياسي للجيش باسمه وباسم الحكومة والمجلس الأعلى للدفاع، لكن الصدمة كانت في إصرار ممثل قائد الجيش على الرفض". وسأل المرعبي: "إذا كان الغطاء الذي يوفره وزراء ونواب الشمال والحكومة والمجلس الأعلى للدفاع لا تكفي الجيش، فهل ينتظر قرارا من مجلس الأمن الدولي لينتشر في طرابلس ويوقف القتال؟".

السابق
الحياة: 3 قتلى وأكثر من 20 جريحاً في طرابلس وميقاتي ضد تغطية المخلّين وأسلوب الأمن العام
التالي
اللواء: سليمان: أدعو الجميع لتسهيل مهمة الجيش لحفظ الأمن والإستقرار