السفير: طرابلس ـ الضحية: الأمن يعود مع الجيش اليوم

حسم الجيش اللبناني قراره، بأن يكون الى جانب أهل طرابلس، بعدما أدرك أن من حوّلوا طرابلس وأهلها الى ضحية، انما كانوا يريدون استدراجه الى فتنة لا يخرج منها إلا مفتقدا إجماع اللبنانيين من حوله.
بدت طرابلس، أمس، أكثر من مدينة. غالبية أهلها أمضوا يومهم الثالث، في إجازة قسرية. أسواق اقتصادية وتجارية معطلة. مدارس وجامعات مقفلة. مؤسسات عامة وخاصة في إجازة مفتوحة. الناس يتسمرون حول الشاشات في انتظار خبر عاجل يفرحهم بمشاهدة جيشهم يعود الى شوارع مدينتهم وساحاتها، بعدما استباحها سلاح ومسلحون بلا هوية روّعوا ليلها ونهارها، حاضرها وغدها.
واذا كانت الساعات الماضية قد أظهرت أن صوت الرصاص هو الاعلى في عاصمة الشمال التي بدت محكومة بشريعة السلاح والفوضى، وعصية على كل المهدئات السياسية التي سعت الى إطفاء حريقها، فإن الوقائع الميدانية تطرح أسئلة قلقة حول خلفيات فتح جرح طرابلس في هذا التوقيت وأهدافه، وهل هو مجرد تعبير انفعالي على استمرار توقيف إسلاميين بلا محاكمة أو توقيف متهم جديد بالانتماء الى تنظيم إرهابي ام انه مرتبط بما هو أبعد من ذلك وأخطر، ام ان المدينة أفلتت من يد الجميع وباتت تلك القوى فاقدة القدرة على التحكم بزمام الارض؟

لقد فرضت تطورات الساعات الأخيرة اختباراً جدياً للنيات المحلية والاقليمية، وجاءت النتيجة الأولية لمصلحة أهل طرابلس واستقرارهم وأمنهم، فمن راقب طريقة تعامل جبل محسن مع المعالجات، تيقن من وجود قرار من سوريا وحلفائها بتطويق الأحداث سريعاً، ومن راقب طريقة تعامل رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة مع الوضع، شعر أن فريق المعارضة ومعه الراعي الاقليمي (السعودية) لن يقبل توفير أية تغطية للسلاح والمسلحين، وهو الأمر الذي ترجم من الجميع بدعوة الجيش الى الضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه الوقوف بوجه قرار إعادة انتشار الجيش في المدينة.
وقد وضع الجيش اللبناني ليلاً وحداته في حالة جهوزية كاملة للدخول بدءاً من ساعات الفجر الأولى الى كل أحياء المدينة، وخاصة باب التبانة وجبل محسن والقبة.
وقالت مصادر عسكرية لـ«السفير» إن الجيش قرر التحرّك على وقع التغطية السياسية الشاملة والصريحة، وهو لن يكون إلا الى جانب أهله مدافعاً عن أمنهم واستقرارهم ورافضاً جعلهم أكياس رمل أو وقوداً في لعبة الاستثمار السياسي لأي كان.

وقالت مصادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ان الاتصالات السياسية مع كل القوى لتوفير دخول الجيش الى مناطق التوتر وصلت الى نقطة إيجابية من دون الاضطرار الى الاشتباك مع أي طرف ولمنع سقوط المزيد من الضحايا، وأشارت الى ان الغطاء السياسي الرسمي متوافر للجيش من خلال قرارات مجلس الوزراء والمجلس الاعلى للدفاع، وحري بمن يحرّض على الجيش ألا يتكلم بلغتين، وأن يدعم مهمة الجيش فعلا، لا تحريضه ضد أهله وتحريض المواطنين ضده.
وكانت الاشتباكات قد امتدت بدءا من ليل أمس الأول الى منطقة المنكوبين في البداوي التي شهدت أعنف المواجهات واستخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية والمدفعية (هاون)، ما أدى الى ارتفاع عدد الضحايا الى ثمانية قتلى منذ بداية المعارك والى أكثر من 50 جريحا، فضلا عن أضرار مادية كبيرة.
كما شهدت شوارع طرابلس خارج مناطق الاشتباكات ظهوراً مسلحاً لأشخاص يستقلون دراجات نارية، ما أحدث حالة رعب في صفوف المواطنين، كما أقام بعض المسلحين حواجز في مناطق الزاهرية، شارع عزمي ومشروع القبة، لفترات من الوقت في مؤشر إضافي الى تعاظم حالة الفلتان الأمني.
وسجل في موازاة ذلك عودة المعتصمين الى ساحة عبد الحميد كرامي مجددا بعد انتهاء المهلة التي أعطوها لإطلاق الموقوف شادي المولوي. وانضم اليهم ليل أمس إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير الذي أطلق خطاباً لا ينسجم ومساعي التهدئة حذر فيه من تعميم التحرك في كل المناطق، وقال «نريد ضاحية شمالية على غرار الضاحية الجنوبية»!

وفي سياق متصل، ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على الموقوف شادي المولوي و5 موقوفين آخرين بتهمة الانتماء الى تنظيم إرهابي مسلح وارتكاب الجنايات على الناس والاموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها، فيما استجوب قاضي التحقيق العسكري نبيل وهبي، بعد ظهر امس، المولوي وأصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه، كما استجوب في الموضوع نفسه حمزة محمود طربيه وتركه بسند إقامة وعبد العزيز عطية (قطري الجنسية) وتركه بسند إقامة ومنعه من السفر.
وقالت مصادر أمنية رفيعة المستوى لـ«السفير» ان مبادرة الامن العام الى توقيف المولوي، تم بناء على معطيات جدية وأدلة أثبتها الموقوف نفسه في اعترافه السريع بكل ما ووجه به، بالاضافة الى اعترافه بضلوعه ببعض الامور التي أصبحت كل تفاصيلها في عهدة القضاء الذي سيقول كلمته في هذا المجال، ومن غير المستبعد أبدا ان تكون هناك أسماء لأشخاص مرتبطين بهذا الملف، ولا يزالون متوارين عن الأنظار.
وردا على سؤال حول ما أوجب توقيف المولوي في هذا الوقت، قالت المصادر «ان الجواب عن هذا السؤال يكمن في ملف التحقيق، فهناك أمر كبير لا نستطيع الغوص في تحديد ماهيته، انما نستطيع القول ان المسألة كبيرة والله قد ستر لبنان وحماه». وأشارت المصادر الى أن جهة أمنية أوروبية كانت شريكة في تقديم المعلومات حول نشاط المولوي الارهابي في الخارج.

السابق
هزّة طرابلس مجرّد رسالة؟
التالي
من يسعى لإخراج الجيش من الشمال؟