نهاية مرحلة قلب النظام السوري وبداية محاربة الإرهاب

فاجأت أوساط أوروبية متابعة للملف السوري، قبل ايام، عدداً من الخبراء لجهة تغيير اللهجة السائدة منذ عام ونيّف، حيث ركزت على 4 محطات أدت إلى الانتقال بنظرها من «عقيدة قلب النظام» إلى «محاربة الارهاب الدولي»، الأمر الذي يغيّر المعادلة الحالية بين السلطة ومجموعات المعارضة.

تقرّ بعض الدوائر الأوروبية المعنية بمتابعة الأزمة السورية بوجود تحوّل كبير في مقاربة الأوضاع هناك، يمكن اختصاره بعنوان بالغ الدلالة يَشي "بنجاح استراتيجية البقاء" التي اتبعتها السلطات السورية خلال المرحلة المنصرمة، على رغم ارتخاء القبضة الحديدية لأجهزة الأمن على مقدرات البلاد، وخروج أنحاء مختلفة عن نطاق سيطرة النظام الشاملة، مثلما كانت الحال قبل اندلاع حركة الاحتجاجات في درعا قبل نحو 15 شهراً.

إذ يتفق عدد من المسؤولين الأوروبيين على القول إن "النظارات القديمة لم تعد صالحة ولا بد من تغييرها لرؤية هذا التحوّل"، ذلك أن دخول تنظيم "القاعدة" الى الساحة نقل المعادلة من مرحلة "قلب النظام وتغييره إلى مرحلة محاربة الإرهاب الدولي".

وتجسدت تجليات هذا التحول في العمليات التفجيرية التي حدثت في دمشق وحلب، وكانت ذروتها ما جرى في العاصمة السورية قبل أيام. الأمر الذي يستدعي إعادة مواءمة في المقاربة والحلول، نظراً الى التغيّر الذي طرأ على المشهد الإقليمي والدولي.

ولقد سارع مسؤولون أوروبيون، وقبل إعلان "جبهة النصرة" مسؤوليتها عن تفجيري دمشق الأخيرين، إلى القول إنّ بصمات تنظيم "القاعدة" واضحة في تنفيذ العمليتين المتزامنتين تقريباً، على غرار ما كان يجري في العراق.

ويفسّر هؤلاء هذا التحول بأنه ناجم من تداخل عدد من الجهات الفاعلة الخارجية، ما يزيد من تعقيدات الوضع أكثر فأكثر. فبعد أن ساد اعتقاد بانهيار وشيك للنظام إثر تصاعد الاحتجاجات والمظاهرات، وتوقع انشقاقات كبيرة في مؤسسة الجيش تواكبها مساندة خارجية متنامية للمعارضة بكل توجهاتها وشرائحها والبدء في تنفيذ العقوبات ودخول المراقبين إلى أنحاء متفرقة من البلاد، تبيّن أن لا شيء من هذه التوقعات قد صحّ، لا سيما التحضير لانقلاب لدى أجهزة المخابرات الغربية يقوم على إقناع عدد من الجنرالات بالقيام بذلك لقاء وعود بعدم ملاحقتهم على جرائمهم السابقة.

وتعتبر هذه الدوائر الأوروبية أن المعادلة في سوريا قد تغيرت منذ انسحاب القوات الأميركية من العراق في كانون الأول الماضي، ولم يعد الوضع محكوماً بنظرية تغيير النظام أو الانقلاب عليه (regime change) تحت شعار "الربيع العربي"، بل دخل في إطار جديد ألا وهو "محاربة الإرهاب الدولي".

وترى هذه الدوائر "أن التحوّل الذي نشهده الآن مرّ بأربعة مراحل:

ـ أولاً، لم نولِ في الصيف المنصرم اهتمامنا لما كانت تحرض عليه مجموعات إرهابية مرتبطة بـ"القاعدة"، للنيل من الأقليات العلوية والشيعية والمسيحية والدرزية.

ـ ثانياً، صدرت فتوى في 23 تشرين الأول 2011 عن هذه المجموعات لاستهداف أجهزة الأمن السورية، ونفذت أول عملية تفجير نوعية بعد شهرين بالتمام، أي في 23 كانون الأول من العام ذاته. وأشارت المصادر الأوروبية إلى أن المسؤولين الأميركيين يحمّلون "القاعدة" مسؤولية عمليات كهذه.

ـ ثالثاً، تضمّن تقرير بعثة المراقبين التابعين للجامعة العربية برئاسة الفريق السوداني محمد الدابي الصادر في 19 كانون الثاني 2012 فقرات واضحة (25 و 26 و27) بأن مجموعات من المعارضة تلجأ أيضاً إلى استخدام السلاح وترتكب أعمال عنف. الأمر الذي وظّفته السلطات السورية في معركتها الديبلوماسية والإعلامية على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ـ رابعاً، في هذا السياق، وجّه المندوب السوري في مجلس الأمن الدكتور بشار الجعفري رسالة رسمية إلى رئيس الدورة الحالية لمجلس الأمن تتضمن أسماء 26 متطرفاً يشتبه بـ 20 منهم بالانتماء إلى تنظيم "القاعدة"، وهم: ثلاثة لبنانيين و19 تونسياً وليبي ومصري وأردني وفلسطيني.

واستناداً إلى هذه العوامل، تتخوّف المراجع الأوروبية العليمة من تأثير التدخلات الخارجية سلباً، عندما يحين وقت الجلوس الى الطاولة من أجل بدء الحوار السياسي الذي يعمل عليه المبعوث الخاص للأمم المتحدة كوفي أنان. وتشير هذه المراجع إلى السعودية وقطر لمواصلتهما تمويل بعض فصائل المعارضة، وشراء أسلحة لها عبر لبنان وتركيا والعراق في مرحلة ما قبل معركة بابا عمرو في حمص.  

السابق
انتهاء صلاحيّة «النأي بالنفس»
التالي
لماذا توسيع الحكومة الإسرائيلية؟