لماذا توسيع الحكومة الإسرائيلية؟

هل الحكومة الاسرائيلية الجديدة- القديمة، برئاسة بنيامين نتنياهو، التي انضمّ اليها زعيم حزب كاديما شاوول موفاز مؤشر الى استعدادات لحرب؟
اذا اخذنا في الاعتبار التاريخ الاسرائيلي، ثمة اسباب وجيهة للتخوف من استعداد لحرب. ففي كلّ الازمات الكبرى التي مرّت فيها اسرائيل، كانت هناك حكومات وحدة وطنية تشارك فيها الاحزاب الكبيرة كلّها. في الماضي، قبل تفجّر حزب العمل من داخل، جرت العادة ان تشكّل حكومات وحدة وطنية عمودها الفقري العمل وتكتل ليكود. اصبح حزب العمل من الاحزاب الهامشية الآن وبات في استطاعة اي حكومة الاستغناء عنه…
هناك الآن حكومة برئاسة نتنياهو الليكودي العتيق يشارك فيها ايهود باراك الذي اسس حزباً خاصاً به بعد انفصاله عن حزب العمل وزعيم كاديما شاوول موفاز الذي كان في الماضي ليكودياً. يضاف الى هؤلاء زعماء احزاب متطرفة مثل "اسرائيل بيتنا" الذي على رأسه وزير الخارجية افيغدور ليبرمان!
بشكل عام، هناك تجمع يضمّ مجموعة من المتطرفين، آخر همه تحقيق تسوية مع الجانب الفلسطيني. ليس هناك بين اعضاء الحكومة، التي لا يزال اليمين المتطرف مشاركاً فيها، من هو على استعداد للسير في تسوية معقولة ومقبولة. مثل هذه التسوية تأخذ في الاعتبار حاجة الشعب الفلسطيني الى دولة مستقلة "قابلة للحياة" على اساس خطوط العام 1967 مع تبادل "عادل" للاراضي يتفق في شأنه الجانبان.
كلّ كلام عن استعداد الحكومة الاسرائيلية، التي صارت تحظى بدعم اربعة وتسعين نائباً من اصل مئة وعشرين في الكنيست، بالعودة الى التفاوض مع الفلسطينيين هراء بهراء. لا يوجد وزير واحد في الحكومة مستعد للقبول بوجود فلسطيني في القدس الشرقية. لا يوجد وزير واحد على استعداد لوقف الاستيطان في الضفة الغربية. الاستيطان هو في نهاية المطاف احتلال بكل ما في كلمة احتلال من معنى.
ما دامت الحكومة الاسرائيلية غير مهتمة بتسوية من ايّ نوع كان مع الجانب الفلسطيني؟ لماذا اذاً تشكيل حكومة وحدة وطنية في هذه الظروف بالذات؟ الجواب بكلّ بساطة ان مثل هذه الحكومة تعني ان هناك حاجة في مرحلة معيّنة، ربّما في الخريف المقبل، الى اتخاذ قرارات كبيرة وخطيرة في آن. هل ستكون هذه القرارات مرتبطة بايران التي تحوّل برنامجها النووي، اقلّه ظاهراً، الى هاجس اسرائيلي؟
ليس مستبعداً ان تكون هناك حاجة اسرائيلية الى مثل هذه الحكومة التي ستكون قادرة على التعاطي مع مستجدات الملف النووي الايراني. ما لا يمكن تجاهله ان شاوول موفاز الذي انضم الى الحكومة كنائب لرئيس الوزراء هو رئيس سابق للاركان كما انّه من اصل ايراني. ولكن يظل السؤال في نهاية المطاف هل تستطيع اسرائيل مهاجمة ايران بحجة الحاجة الملحة الى تدمير منشآتها النووية وتأخير انتاجها للقنبلة من دون دعم اميركي واضح؟
يعتقد الخبراء في مثل هذا النوع من الحروب ان مثل هذا الاحتمال ضعيف، اللهم الا اذا كان الجانب الاسرائيلي يريد وضع الولايات المتحدة امام امر واقع. وهذا وارد الى حدّ ما في هذه المرحلة التي يستعد فيها الرئيس باراك اوباما لانتخابات رئاسية في تشرين الثاني- نوفمبر المقبل.
في مثل هذه الحال، سيتوجب على الدولة العظمى الوحيدة في العالم التورط غصباً عنها في هجوم يمكن ان تشنه اسرائيل على منشآت نووية ايرانية، خصوصاً ان الرد الايراني على مثل هذا الهجوم سيستهدف المصالح الاميركية في المنطقة فضلاً عن دول تعتبر حليفة للولايات المتحدة.
هل تجرؤ اسرائيل على خوض مغامرة من هذا النوع؟ كلّ ما يمكن قوله، انه ربما ستستفيد من عجز اوباما عن اتخاذ قرار جريء يضعها عند حدها في مرحلة تسبق الانتخابات الرئاسية. الجميع يعرف ان الرئيس الاميركي لن ينجح في تمديد ولايته في حال وقف اللوبي الاسرائيلي في وجهه. لقد اثبت بيبي نتنياهو للرئيس الاميركي، المرة تلو الاخرى، منذ دخوله البيت الابيض قبل ثلاث سنوات ونصف سنة انه اقوى منه في واشنطن دي.سي. وهذا جعل اوباما يتراجع عن القرار الذي اتخذه، حتى قبل انتخابه رئيساً، بانه سيعطي الاولوية للقضية الفلسطينية ولحل الدولتين.
المؤسف ان التطورات الاقليمية، بما في ذلك التهديدات الايرانية للجوار العربي تصبّ في مصلحة اسرائيل. ما تفعله ايران حاليا هو استفزاز جيرانها العرب وتهديد اسرائيل بالكلام، ليس الاّ.
في كلّ الاحوال، يبدو جليّاً ان المنطقة مقبلة على تطوّرات كبيرة. هناك قرار اسرائيلي بالاستعداد لهذه التطوّرات بغض النظر عما اذا كانت المفاوضات التي تجريها ايران مع المجتمع الدولي في شأن برنامجها النووي ستؤدي الى نتائج ايجابية ام لا.
لو لم يكن الامر كذلك، لما كان بيبي نتنياهو عاد تراجع عن قرار الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة في ايلول- سبتمبر المقبل والاستعاضة عنها بتوسيع حكومته الى اقصى حدّ. ربما كان السؤال الذي يصلح اكثر من غيره لهذه المرحلة الدقيقة: هل توسيع الحكومة الاسرائيلية يشير الى رغبة في شن حرب… ام ان ذلك عائد الى ان اسرائيل تعتبر ان كلّ ما يدور في المنطقة، التي يعاد تشكيلها، انما يصبّ في مصلحتها؟ في مثل هذه الحال، لن يعود امامها سوى تحصين وضعها الداخلي عن طريق حكومة وحدة وطنية واعتماد سياسة الانتظار. فالسياسة التوسعية لايران في العراق وسوريا ولبنان والتهديدات الايرانية لدول الخليج، فضلاً عن الفوضى التي تشهدها مصر، جعلت معظم العرب يتساءلون: هل من يتذكّر القضية الفلسطينية؟
  

السابق
نهاية مرحلة قلب النظام السوري وبداية محاربة الإرهاب
التالي
حصاد ربيع مرّ