لقمة اللبناني وتبادل الاتهامات

تفاعلت قضية رفع سعر ربطة الخبز. وأظهرت الطريقة الاعتباطية التي تعاطى بها أصحاب الأفران مع قرار وزارة الاقتصاد والتجارة خفض وزن سعر ربطة الخبز إلى 900 غرام في مقابل الإبقاء على سعرها كما هو، أن مصالح الكارتيلات وأرباحها فوق الدولة وفوق القانون، وأهم من مصائر أربعة ملايين لبناني.
يأتي ذلك، كتتمة منطقية لسلوك السلطة السياسية المستخف بحاجات المواطنين وبأولوياتهم المعيشية والاجتماعية. فبدا من الطبيعي، بعدما أقيلت الدولة من وظائفها الجوهرية أن يغدو لكل قطاع أساسي من يتحكم بأموره. من هنا، واثر نجاح أصحاب المستشفيات الخاصة في حرمان أكثر من مليون لبناني منتسبين إلى «الضمان الاجتماعي» من دخول مستشفياتهم لأسابيع، قام أصحاب الأفران أمس الأول بفرض تعرفتهم الخاصة لسعر ربطة الخبز. فرفعوا سعر الربطة إلى ألفي ليرة، بالتزامن مع زيادة وزنها إلى 1200 غرام من دون العودة إلى وزارة الاقتصاد والتجارة، المخولة حصراً وفق القانون تحديد سعر الربطة ووزنها. وكانت حجتهم في ذلك بعض «الحذلقات الرياضية»، فضلاً عن استخفاف غير مكتوم بما تبقى من هيبة وسلطان للأجهزة الرسمية المختصة.
وعلى الرغم من ان ربطات الخبز بزنة 1200 غرام باتت أكثر انتشاراً بكثير من الربطات ذات الوزن والسعر المحدد من وزارة الاقتصاد، إلا ان وزير الاقتصاد نقولا نحاس ظل مصراً على إنكار الواقع. فقد أكد لـ«السفير» أن «القرار الذي اتخذته وزارة الاقتصاد هو الأساس، وان ما عدا ذلك يعد مخالفاً للقانون، وسيجري التعامل معه بناء على ذلك. فالأفران على دراية تامة بأن الحكومة، فضلاً عن وزارة الاقتصاد، هي المولجة باتخاذ قرار بشأن سعر الربطة ووزنها، ولم يصدر حتى الآن أي قرار جديد بالتعديل على مستوى الاثنين».
وفيما جزم بأن «ما يتردّد حول موضوع ربطة الخبز ليس سوى اقتراحات قيد الدرس بين الوزارة والأفران»، أكد أن «مراقبي مديرية حماية المستهلك يصلون الليل بالنهار بغية منع الأفران من بيع ربطات خبز بسعر 2000 ليرة». وفي سبيل تحقيق ذلك، أشار نحاس إلى أن «المراقبين سطّروا محاضر ضبط عديدة بحق أكثر من فرن تبيّن أثناء الجولات عدم التزامها قرار الوزارة».
وفي مقابل رواية نحاس، ثمة رواية أخرى لأصحاب الأفران، يقول الأمين العام لـ«اتحاد أصحاب الأفران» أنيس بشارة لـ«السفير». فقد شهد اجتماع الجمعة الماضي بين نحاس وأصحاب الأفران «قبولاً من نحاس لطرح الأفران». وتمحور الطرح، وفق بشارة، حول قسمة الـ900 غرام على 1500 ليرة، «ما يعني أن كل 300 غرام تعادل قيمتها 500 ليرة». واستناداً إلى هذه القاعدة، جاء طرح الأفران وقوامه أن ربطة الخبز بزنة 1200 غرام يجب أن تباع قانوناً بسعر 2000 ليرة. وكان رد نحاس، فضلاً عن رئيس مديرية حماية المستهلك فؤاد فليفل «ايجابياً جداً»، بحسب بشارة، و«لا يمت بصلة إلى ما يصدر منذ يومين عن نحاس».
كذلك، أشار بشارة إلى ان كلاً من نحاس وفليفل أكدا أثناء الاجتماع الذي «حضره حوالي 15 شخصاً» أن هذا الطرح «لا يحتاج من أجل وضعه في التطبيق إلى اتخاذ قرار من قبل الحكومة، أو من قبل وزارة الاقتصاد». فـ«ما دامت الأفران تستند إلى هذه القاعدة الصحيحة، وما دامت ستلتزم بقرار وزارة الاقتصاد القاضي بتوفير ربطة خبز زنة 900 غرام بـ1500 ليرة، فهذا يعني أنه لن تكون هناك أي مخالفة قانونية».
وإذ أكد بشارة أن الأفران ستواصل بيع «ربطتي الخبز» بغض النظر عما يصدر عن وزارة الاقتصاد، نفى ما قاله نحاس حول تسطير محاضر ضبط بحق الأفران. فـ«المراقبون جالوا على الأفران فعلاً، إنما اقتصرت جولاتهم على التثبّت ممّا إذا كانت الأفران تبيع ربطة الخبز وفق المواصفات المحددة من قبل وزارة الاقتصاد فحسب. ولم يتدخلوا أو يسألوا عن أي شيء آخر. كما لم يسطروا أي محضر ضبط بحق أي فرن».
وبينما لم يتخذ «الاتحاد العمالي العام» حتى اللحظة أي موقف جدي من قضية تمس مساساً مباشراً بالأمن المعيشي والاجتماعي للمواطنين، حمّل نائب رئيس الاتحاد حسن فقيه («السفير») وزارة الاقتصاد «مسؤولية الإرباك الحاصل في موضوع الرغيف والطحين». ودعا الوزارة والمعنيين بهذا الأمر، الى «إخراج رغيف الفقراء ولقمة عيش المواطن من التداول، خصوصاً لجهة رفع سعر ربطة الخبز من حين الى آخر».
وطالب فقيه «أصحاب المطاحن وتجار الطحين الذين استفادوا كثيرا من الأسعار المتدنية لهذه السلعة الضرورية، بأن يتعاملوا بمسؤولية وعدم استغلال ارتفاع الأسعار العالمية للطحين والإقدام على رفع سعر الرغيف». كما دعا الحكومة الى «تحمل مسؤولياتها تجاه تثبيت سعر ربطة الخبز على أن يكون لآجال طويلة».
وبدلاً من ان يطلع فقيه المواطنين على خطة تحرك الاتحاد لحماية الرغيف من جشع الكارتيلات المتحكمة بتلابيب الاقتصاد اللبناني، «أهاب بالقوى النقابية التلاقي على القضايا النقابية الأساسية التي تهم الناس»، متمنياً «التوافق على برنامج أو جدول يتضمن قضايا الناس ومطالبها وحاجاتها لطرحها قبل الاستحقاق الانتخابي النيابي المقرر العام المقبل».
على أن العبقرية الساحرة في توصيف الواقع تجلت في ختام كلامه، حيث أشار إلى ان «الاتحاد العمالي استحصل من خلال جهوده ومسؤوليته على أفضل الممكن»، معتبرا ان لغة التشكيك والاتهام لا تجدي، بل لغة الحوار والانفتاح هي التي تنتج وتحصّل الحقوق للعمال.  

السابق
بيضون:حزب الله يمنع إقرار الموازنة
التالي
كلاس: احتفالات التخرج موحدة منذ 2009