السفير : توقيف “سلفي” يثير غضب الإسلاميين ويُشعل اشتباكات

لعل انفجار الوضع في طرابلس لم يكن مفاجئا للكثيرين، ذلك أن المدينة تقيم منذ فترة طويلة فوق صفيح ساخن، والمؤشرات المتراكمة كانت توحي بأن "فالقها الأمني" يتحرك على وقع مظاهر التسلح، والاحتقان السياسي والمذهبي، والتفاعل المحموم مع الأزمة السورية، بحيث يكفي لأي احتكاك في أي لحظة ان يتسبب بهزة قوية على مقياس "ريختر اللبناني".
وهكذا، ما كاد "الأمن العام" يوقف شخصا ينتمي الى التيار السلفي للاشتباه بعلاقته مع تنظيم إرهابي، حتى اختلط الحابل بالنابل، في مدينة مشرّعة على الرياح من الجهات الأربع، واعتادت أن تأكل من لحمها الحي، فأُقفلت أولا الطرقات والساحات بالاعتصامات الاحتجاجية والإطارات المشتعلة، ثم كبرت كرة الثلج مع تدحرجها في الشوارع والأزقّة الفقيرة، لتأخذ في طريقها مرة أخرى منطقتي جبل محسن وباب التبانة اللتين تم استدراجهما الى مواجهة متجددة ذهب ضحيتها عشرات المواطنين، في محاولة على ما يبدو لتكبير عنوان الأحداث وإعطائها الطابع المذهبي الذي يستثير العواطف، ويستجر طاقته هذه الايام من خطوط التوتر العالي الإقليمي.
وأمام تداخل عوامل التأجيج، وجدت طرابلس نفسها تدفع، مرة أخرى، ثمن وقوفها على خط التماس الإقليمي، وتحت خط الفقر، بعدما تم فرزها منذ زمن الى محميات طائفية وسياسية، مسكونة بالهواجس والأشباح، وسط غياب هيبة الدولة ومؤسساتها، على الرغم من أن المدينة ممثلة في الحكومة برئيسها ووزرائها الخمسة الذين لم يصنعوا حتى الآن الفارق المنتظر منهم، فيما المعارضة التي يقودها "تيار المستقبل" لا تبدو أفضل حالا بعدما اقتصر دورها على اقتناص الفرص والمناسبات للتصويب على الرئيس نجيب ميقاتي، من دون إطلاق أي مبادرة حقيقية للمساهمة في النهوض بالمدينة وحمايتها.
وبالتأكيد، فان استعصاء الأزمة في سوريا ساهم بشكل أساسي في إنتاج بيئة ملائمة للتوتر المتفاقم في طرابلس، وربما يصح القول إن ما حصل خلال اليومين الماضيين هو التعبير الميداني الأكثر صراحة عن تأثر الداخل اللبناني بتداعيات الواقع السوري، بحيث كان يكفي لـ"ثقاب" اعتقال شادي المولوي المعروف بدعمه للمعارضين السوريين أن يُشعل حريقا واسعا، من دون ان تنجح هذه المرة إسفنجة "النأي بالنفس" في امتصاص موجة التوتر، التي سبقتها مؤخرا محاولات تهريب لكميات كبيرة من الأسلحة، عبر البحر، تمكن الجيش من ضبطها، قبل أن تستكمل طريقها الى أمكنة التسليم والتسلم.
ووسط هذا المناخ الملتهب، يسعى الجيش الى فرض الأمن بما تيسر له من الإمكانات والغطاء السياسي، محاولا التوفيق بين متطلبات مهمته وبين خصوصيات المدينة، لاسيما أن هناك من يعمل جاهدا على تعطيل فعاليته وتكبيل يديه، عبر اتهامه باستهداف فئة محددة، وهو الاتهام الذي طال أيضا جهاز الأمن العام في أعقاب إلقاء القبض على المولوي بعد استدراجه الى مكتب تابع للوزير محمد الصفدي، ما أثار غضب الإسلاميين الذين اعتبروا ان هناك إهانة وُجّهت الى أهالي طرابلس بسبب قرار التوقيف وطريقته.
ميقاتي: الجيش ليس ضد الاسلاميين
وفي هذا السياق، قال الرئيس ميقاتي لـ"السفير" إن البعض يحاول تصوير الجيش على أنه طرف ضد القوى الاسلامية في المدينة، بينما الواقع خلاف ذلك، والدليل انه لم يتدخل لفض الاعتصام الذي بدأ يوم السبت، لكن عندما توسعت الاشتباكات ودخلت على خطها قوى اخرى وعناصر مندسّة، اضطر الجيش الى التدخل على نحو واسع لضبط الامن في المدينة.
ولئن كانت الاتصالات المكثّفة قد نجحت مساء في إقناع الإسلاميين بتعليق إعتصامهم في ساحة عبد الحميد كرامي، احتجاجا على اعتقال المولوي، إلا ان التوتر بقي سائدا على جبهة جبل محسن ـ باب التبانة ومحيطهما، حيث تواصلت الاشتباكات المتقطعة طيلة الليل، متسببة في سقوط المزيد من الضحايا.
مصادر أمنية:
لا للاستثمار السياسي
وأبلغت مصادر امنية "السفير" أن الوضع اخطر مما يتصوره البعض، ولا يجوز الاستثمار السياسي في قضية خطيرة كالتي يتعاطى معها "الأمن العام"، ليس في موضوع الموقوف شادي المولوي فحسب، بل في كل ما يجري شمالا، "والتحقيقات ستظهر لاحقا حقيقة ما كان يحضّر لطرابلس والشمال، والقوى الامنية لن تتوقف عند المزايدات السياسية، بل ستكمل عملها حتى جلاء الحقائق وليتحمل الجميع مسؤولياتهم ".
مجلس الدفاع
في هذه الأثناء، انعقد المجلس الأعلى للدفاع، أمس، برئاسة الرئيس ميشال سليمان في قصر بعبدا، حيث عُلم أن قادة الاجهزة الأمنية عرضوا معطياتهم ومعلوماتهم حول ما جرى، والمح بعض الوزراء المعنيين الى وجود شبكة ارهابية، سبق ان تم توقيف بعض اعضائها قبيل الاحداث التي اندلعت، مشيرين الى أن هناك متابعة امنية وقضائية حثيثة للموقوفين، في موازاة قرار بالتشدد في ملاحقة كل المخلّين بالأمن، على أن يُحال الموقوف شادي المولوي صباح اليوم الى القضاء المختص لمتابعة التحقيق معه واتخاذ القرار اللازم بحقه.
وعلمت "السفير" أن مداولات المجلس الأعلى للدفاع تناولت الجهد الأمني المبذول لمنع تحويل لبنان الى ساحة متلقية للأحداث في سوريا، وللحؤول دون استغلال الانشغال العسكري والامني بتطبيق سياسة الحكومة بالنأي بالنفس عن الاحداث في سوريا، للعبث بأمن الوطن والمواطن في الداخل.
ووفق المعلومات، "كانت التوجيهات الرئاسية واضحة وصارمة بعدم التهاون مع اي كان، ورفض الخضوع للضغوط مهما كانت تجلياتها، كما جرى التشديد على وجود قرار وغطاء سياسيين كاملين للاجهزة العسكرية والأمنية للقيام بمهامها الوطنية من أجل قطع دابر الفتنة ومنع استباحة الامن الوطني".
واكد مصدر رسمي لـ"السفير" انه بالنسبة الى أحداث طرابلس فان القرار حازم ببسط سلطة الدولة، والتعليمات صريحة بإلقاء القبض على المسلّحين المتورطين في الاحداث وسوقهم الى القضاء المختص، ولا خيمة فوق رأس احد، خصوصا ان هناك صورا فوتوغرافية وتلفزيونية للمسلحين، اما التذرع بمسؤولية الامن العام عما جرى، فهذا كلام مردود على مطلقيه ذلك أن هذا الجهاز كان يقوم بواجباته".
شربل… والحسم
من ناحيته، قال وزير الداخلية مروان شربل لـ"السفير" بعد انتهاء اجتماع المجلس الاعلى للدفاع إن " القرارات حاسمة وسيتم التعامل بجدية مع الوضع، لكن من دون إراقة دم اذا امكن، وسنصل الى نتيجة ان شاء الله، والمهم أن اسماء المتسببين بالاحداث معروفة وموجودة لدى الاجهزة الامنية، ويفترض ان يتحرك القضاء من اجل متابعة الامور ".
الصفدي… و"الامن العام"
واعتبر الوزير محمد الصفدي "انه جرى استغلال صيتنا في مساعدة الناس ما ادى الى حصول المشكلة (توقيف المولوي)، وانا رفعت دعوى على الامن العام"، مؤكدا انه "سيكون هناك عقاب لكل من اخطأ".
اجتماع طرابلس
على خط مواز، عقد ميقاتي اجتماعا مع نواب طرابلس وفعالياتها، أسفر عن اتفاق على 4 نقاط هي:
ـ استنكار طريقة توقيف شادي المولوي، من خلال استدراجه الى مكتب تابـع للوزير محمد الصفدي.
ـ الاسراع بتحويل المولوي الى القضاء المختص لمتابعة التحقيق واجراء المقتضى.
ـ البت سريعا بلمف الموقوفين الاسلاميين لانه بمثابة قنبلة موقــوتة مرشــحة للانفجار دوما.
ـ الطلب من الجيش اتخاذ الاجراءات اللازمة والصارمة لضبط الامن ووقف التعديات، ورفع الغطاء السياسي عن كل المشاركين في الاشتباكات، ومنهم اشخاص ادعوا انهم يتبعون للرئيس ميقاتي الذين حصل على اسمائهم النائب محمد كبارة، فطلب ميقاتي فورا من مساعديه ابلاغ كل من يدعي انه محسوب عليه برفع الغطاء عنه وليتحمل مسؤولية اعماله.
وإثر الاجتماع أكد ميقاتي أن "لعبة الشارع خطرة وذات حدين ويمكن ان تنقلب على الاخرين وعلى أمن البلد". وأكد انه ما من غطاء سياسي لأي مخل بالامن، واعتبر ان طريقة توقيف المولوي "مرفوضة ومستنكرة، أما في موضوع التهم الموجهة اليه، فنحن نريد من القضاء ان يكون الحكم ولا نريد ان نتدخل بعمله".
واكدت اوساط المجتمعين ان كل الاطراف كانت متجاوبة مع ضرورة وقف التوتر، وخصوصا نائبي "المستقبل" سمير الجسر ومحمد كبارة، لانهما يريدان الا تخرج الامور عن السيطرة بوجود مسلحين غير معروفي الانتماء.  

السابق
النهار: ايران تعلن عن الكهرباء للبنان قريباً ومصدر حكومي يعدد لـ”النهار” العقبات
التالي
المستقبل : الشعّار يثمّن جهوده ويعتبر التحريض على “المستقبل” تجنّياً