صورة تذكارية أخيرة لجندي عراقي

أوردت وكالات الأنباء العراقيّة، قبل بضعة أيام، خبر انفجار عبوة ناسفة، أدت إلى مقتل جندي عراقي وإصابة عدد من الزوّار اللبنانيين بجروح مختلفة. رضا شرّي، كان أحد هؤلاء، يروي هنا قصة نجاته واستشهاد الجندي العراقي قربه

كلّ من يسافر إلى العراق يعود بقصة. إلا أن الحادثة التي تعرّض لها رضا شرّي (20 عاماً) تعدّ مختلفة وغريبة. ذلك أن رحلته إلى العراق هذه المرة لم تكن كسابقاتها. الشاب الذي يعمل في حملة لزيارة الأماكن المقدّسة عبر البرّ، عاد متشظياً. لقد نجا بأعجوبة من الموت المحتم. هناك، في الطريق إلى بغداد، 35 كيلومتراً غرب منطقة الرمادي، عاش الشاب تجربة قاسية.

يسرد شرّي الحادثة بهدوء. الأربعاء الماضي، وأثناء مرورنا المعتاد على الطريق الصحراوية بين منطقة الرمادي وبغداد، توقفت الحافلة كالمعتاد في انتظار قدوم الدورية الأمنية التالية، التي سترافقهم خلال الطريق إلى المحطة المقبلة. الحافلة التي تقلّ الشاب واحدة من مجموعة حافلات لبنانية تسير معاً. وقد توقفت جميعها على رمل الصحراء، بجانب الطريق المعبدة. خلال فترة الانتظار الروتينيّة، ترجّل السائقون لتفقد مركباتهم. أما الركاب فقد نزلوا لـ«تحريك عضلاتهم» بالوقوف بعد جلوس طويل، في حين كان جنود الدورية يتأهبون، وينتشرون في المكان. أما رضا، فقد اختار الاقتراب من أحد عناصر الجيش العراقي الذي كان يقف وحيداً بعيداً عن زملائه. يروي شرّي: «ألقيت عليه التحية، وعرضت عليه بعض الماء فتناول القنينة شاكراً ومُرحباً بنا بحرارة في العراق». وبعد تبادل الحديث، عرف الجندي أنهم يقومون بـ«زيارة الإمام الحسين». تحدّث رضا والعسكري قليلاً عن مواضيع عاديّة ومألوفة في العراق، الأوضاع الأمنية، الطقس الحار، ظروف الخدمة العسكرية الصعبة في مثل هذا المناخ، وعلى هذا المنوال. كان الجندي منزعجاً لأن مكان خدمته يبعد عن مدينة «كربلاء» حيث يقطن، مسافة تفوق 150 كيلومتراً.

حتى الآن، كل شيء طبيعي. لكن شرّي، الذي يهوى العسكر، «تغزّل» بعتاد الجندي حيدر. درع واقية، خوذة، وبندقية أوتوماتيكية. استغل الأخير غياب الضابط المسؤول عنه، وخلع الدرع والخوذة وألبسهما لرضا، كي يلتقط له صورة وهو يرتديهما. جمعتهما الصورة، التي أخذت بواسطة هاتف شخص ثالث، وهما يقفان على متن آلية عسكرية. بعدها ترجلا، ليصوّر الجندي حيدر شرّي منفرداً. تراجع بضع خطوات إلى الخلف استعداداً. وما هي إلا ثوان حتى سمع دويّ انفجار ضخم. حصل ما لم يكن بالحسبان. يقول شرّي: «وقع انفجار مفاجئ، لم أعرف ما حصل للوهلة الاولى، فقد دفعتني قوة الانفجار وطرحتني أرضاً، وبعد دقائق استرجعت وعيي من هول الصدمة، فرأيت حيدر مصاباً، وينزف بشدة من رقبته. كان يلفظ أنفاسه الأخيرة».

أتى السائق المسؤول عم حملة شرّي لإغاثته بسرعة. سحبه من مكان الانفجار. في هذا الوقت كان يسمع «صيحات النسوة اللواتي ظنن أنني قتلت جراء هذا الانفجار». في هذه اللحظة كانت محركات الحافلات المدنية والآليات العسكرية التي طلبت الاخلاء فوراً، تنطلق بسرعة جنونية للخروج من هذه النقطة. علموا لاحقاً أنها مزروعة بعدة عبوات ناسفة كانت قد بدأت بالانفجار الواحدة تلو الأخرى، بمجرد خروجهم من هناك… «بقينا نسمع أصوات انفجارها لمسافة بعيدة نسبياً».

بعدها، نقل شرّي الى المستشفى حيث عولج مع الجرحى الآخرين الذين كانت اصاباتهم طفيفة. أصابته الشظايا في رقبته ووجهه ويديه، ودفعت الدرع والخوذة عنه إمكانية حصول اصابة خطرة في الصدر، ونُقل في اليوم التالي بالطائرة الى لبنان. يقول شرّي «لحسن حظي ان العبوة كانت قفازة، أي انها ترتفع في الهواء بمقدار 30 سنتيمترا وتنفجر»، كما شرح له احد الضباط في المستشفى. اخترقت المسامير الدرع ومزقتها كلياً و«لولا أني كنت أرتدي الخوذة لكنت مت، كأن الشهيد حيدر أعطاني روحه لأنه قبل لحظات من الانفجار كان يخبرني بأنه يتمنى العودة إلى كربلاء». تدمع عيناه عندما يذكره ويضيف «كنت أتمنى أن أستشهد معه، لا أدري ان وجدت بقايا من جثته أصلاً». تجدر الإشارة إلى أن وكالات اخبارية عراقية كانت قد تحدثت عن انفجار عبوة ناسفة أدت إلى مقتل جندي عراقي واصابة عدد من الزوار اللبنانيين بجروح مختلفة. لكن الأخبار في وكالات الأنباء لا تكون تفصيليّة. لم يذكر الخبر العابر أن الجندي العراقي «افتدى» زائراً لبنانيّاً بالصدفة، بعدما تبادلا الأمكنة، لالتقاط «صورة تذكارية».

السابق
الحرص على سورية
التالي
عيناتا فقدت معمّرها نجيب ابرهيم بعد 110 أعوام