تفجيرا دمشق والمسؤولية..

لا يقلّ أو يزداد الإحباط الذي تولّده جرائم القتل الجماعية، تبعاً لهوية الضحايا أو حتى لهوية المجرم. ولا يسري مبدأ الإدانة على أعمال من دون أخرى، كما لا يخفف من وطأة القنوط والأسى الطافح على هدر الدم، أن يكون الفاعل أو الضحية في موقع سياسي مضاد.. ولا استدراك في ذلك ولا مكان لـ"لكن".
وفي هذا، فإن انفجارَي دمشق الإرهابيَين يثيران كل لوازم إدانة القتل والإجرام والإفراط فيهما، ويثيران مع تلك الإدانة جملة ملاحظات سريعة، في مقدمها أن معظم الضحايا هم من شعب سوريا الذي يتعرض منذ 15 شهراً لحملة عنف عزّ نظيرها في حالات مماثلة، وأينما كان: في العالم العربي أو في خارجه سواء بسواء. إذ لم يحصل أن فتكت سلطة بالناس المطالبين بتغييرها كما تفعل السلطة الأسدية بالسوريين. حتى القذافي لم يصل الى تلك المراتب.. ولم يحصل أن تم استخدام المدفعية والدبابات والقتل والذبح من قبل جيش وطني ضد أبناء جلدته ووطنه.. يحصل ذلك عندما يكون الجيش فئوياً وغير وطني. أحادي التوجه والإمرة والأهداف، ويخضع لقرار سياسي غير سويّ وغير طبيعي، أو عندما ينخرط في لعبة ليست له: السيطرة على السلطة مباشرة ومن دون وسطاء.

الملاحظة الثانية، إن حجم التفجيرين يدل الى مسؤولية جهة كبيرة، وليس الى منظمة صغيرة العدد ومُطاردة. ألف كيلوغرام من المتفجرات على ما أوردت "سانا". وهذه كمية لا تقدر على تأمينها جماعات إرهابية متفرقة حتى لو كانت من وزن "القاعدة"!.. وهذا كلام محسوب!
الملاحظة الثالثة، إن "القاعدة" سبق ونفت مسؤوليتها عن تفجيرات حصلت في دمشق تحديداً. وصدّق ويصدق كثيرون ذلك النفي، باعتبار أن من عاديات ذلك التنظيم الإرهابي أن يتفاخر بعملياته، ويصوّرها، ويعلن هوية منفذيها، ويعرض "الأسباب" والدوافع، وهذا ما لم يحصل حتى الآن، ولا مرة في سوريا!

الملاحظة الرابعة، إن "الجيش الوطني الحر" خصوصاً والمعارضة عموماً، لم يسبق أن استهدفا مواطنين سوريين، لا بالطريقة العشوائية التي تمت بالأمس ولا بطريقة منظمة.
الملاحظة الخامسة، إن "الجيش الوطني الحر" خصوصاً والمعارضة عموماً طالبا بتشكيل لجنة تحقيق دولية في الانفجارين، فيما سارعت السلطة الى اتهام دول في المنطقة من دون تقديم أي دليل!
الملاحظة السادسة، إن تلك السلطة أظهرت استعداداً (وممارسة) لفعل أي شيء ضد معارضيها والمناوئين لها. أي شيء وكل شيء! ولم تبدِ أي تردد في استخدام أشرس الأساليب وأحطّها وأكثرها دموية ووحشية وفظاظة وإرهاباً ضد السوريين وقبلهم ضد اللبنانيين والفلسطينيين.
الملاحظة السابعة، إن كلاماً كُتب ونُشر في بيروت قبل يوم واحد من تفجيرَي دمشق، ينقل عن مسؤولين سوريين قولهم إن المرحلة الجديدة هي مرحلة المواجهة مع الجماعات الإرهابية وتحديداً مع "القاعدة".. وجاء التفجيران "لتأكيد" ذلك الكلام!!!
الملاحظة الثامنة، إن من يدمّر مدناً وبلدات وقرى بأكملها بالمدافع والدبابات ويقتل الآلاف من المدنيين العزّل ويُخفي مثلهم ويعتقل عشرات الآلاف غيرهم على مدى 15 شهراً، لن يتردد أمام بعض "الإضافات" في دمشق وغيرها، لتأكيد مقولته الدائمة بأن ما يجري عنده ليس ثورة شعبية إنما مواجهة مسلحة مع عصابات إجرامية إرهابية مدعومة من ثلاثة أرباع الكرة الأرضية!.
الملاحظة التاسعة، إن مصداقية سلطة الأسد تساوي الصفر المكعّب… وهذه وحدها تكفي!.

السابق
النهار: نصرالله للنسبية ويتجاهل المأزق الحكومي والمستقبل يرد على أحادية التمويل الايراني
التالي
السفير: الوعد الصادق يعيد الضاحية أجمل مما كانت