ندمت لأنني لم أشارك العلمانيين في مسيرتنا

لم تبد لي مسيرة العلمانيين نحو المواطنة سوى مشروع آخر يتألق في ساحة الحوادث اللبنانية ومن ثم يختفي، فالكلام من أسهل ما نبرع به كلبنانيين. وعودٌ ومشاريعٌ وآمالٌ نعقدها سنةً بعد سنة على مسيرةٍ وتظاهرة واعتصام وعصيان ما تلبث الصفقات السياسية ان تلتهمهما.
من حملة إسقاط النظام الطائفي إلى حماية المرأة من الإغتصاب الزوجي وحماية المرأة من عيون الأمن الساهر على سلامتها نظرياً فقط، إلى التظاهرات المطالبة بلقمة العيش المحقة، إلى زيادة الأجور وإنخفاضها، إلى الجسور والكهرباء و… إلى مسيرة العلمانيبن نحو المواطنة التي أخطأت في تقديرها.

بالنسبة إلي العلمانية كنزٌ لا يفنى، والمواطنة هي الأكثر هدراً واستباحةً في لبنان. اختلفت المسيرة وتوسّعت الأهداف وتضاءلت الشكوك، فهذه التظاهرة ليست كغيرها رغم انها بدت لي كذلك، ولوهلة استسلمت. قمت بما يفعله العديد منكم متحججين بالوضع القائم، وصعوبة التغيير، والطائفية المتفشية، والدولة الصامتة، والشعب الأخرس. بدت لي الحقيقة واضحة، نحن لسنا شعباً أبله، ولا أخرس، ولا متشائماً. نحن شعبٌ بليد، يدير أذنه الصماء إلى المشكلة ويتغاضى عن الحلول بجملٍ انشائية ممتازة الصياغة وفلسفة لم يصل إليها لا إبن خلدون ولا الفارابي. نحن نعرف داء كل علة ودواءها، وحدها علة لبنان، علة ارضنا، وعلة مجتمعنا، تبقى تراوح مكانها، ترضخ لأمر بات واقعاً متجسداً في نفوسنا.

ولأن معظمنا يخشى التغيير والمجهول، جلست ساعات أحدق في الصور المنتشرة عن مسيرة العلمانيين نحو المواطنة، وبعد قدرٍ كافٍ من المعلومات والمعطيات استطعت تحديد ما نجحت هذه المسيرة في اثباته، وندمت لأنني وللمرة الثالثة ترددت في ان أكون جزءاً من التغيير. أصبحت النتائج جلية لمنظمي هذه المسيرة، فعدد المشاركين لم يعد يعنيهم، لأنهم مدى السنوات الثلاث، استطاعوا ان يحافظوا على عدد ثابت من الداعمين فاق الألفي شخص. داعمون ومشاركون مستقلون، يؤمنون بحرية الاختيار، بالعلمانية، بالمواطنة، بالغاء العنصرية، بتعديل القوانين وإضافة صيغ جديدة تتماشى مع تقدم الزمان وتطور الإنسان والحياة. مشاركون يختلفون عني وعنكم، نعم عنا نحن الذين يؤمنون بأن التغيير إن لم يحصل الآن، فلن يحصل أبداً، وان التحرك فاشل ما لم ينجح في إحداث تغيير خلال يوم أو اثنين. نحن الذين نفد صبرنا (وهذا حقنا)، لكن نفاد الصبر لا يبني بلداً صالحاً للعيش. نفاد الصبر ندفع ثمنه حروباً يستمتع بها جمهور يحيط بنا متلذذاً بالفشار الطازج.

امتنعت عن المشاركة لأنني اعتدت ان يستحوذ لونُ سياسي واحد على أي تظاهرة أو مسيرة في لبنان تنطلق ضمنيًّا بأهداف صادقة. هنا أخطأت، فلم ينجح أحد في استمالة هذه المسيرة التي امتازت باستقلاليتها واصرارها.عندها حزِنت، فمن يدري ما قد تحمله الأيام الـ 365 قبل موعد المسيرة السنة المقبلة، قبل ان أنزل وأطالب بعلمانيتي، بمواطنيتي، ببلدي.

السابق
حفل تخرّج إعلام اللبنانية يتفاعل سياسياً وطائفياً
التالي
ما وظيفة حكومة الوحدة الإسرائيلية؟