ما وظيفة حكومة الوحدة الإسرائيلية؟

حكومات الوحدة الوطنية في إسرائيل لها وظيفتان لا ثالث لهما: إمّا انتزاع تفويض وطني للقيام بضربة عسكرية، أو توفير غطاء شعبي لعقد معاهدات سلام.

وفي كلا الحالين هناك مُعطى جديد دخل بقوة على مسرح الأحداث في المنطقة وعنوانه إعلان إسرائيل جهوزيتها لمواجهة أحد هذين الاحتمالين بعد انتقالها من حال التخبّط والفَرطعة السياسية، إلى وحدة موقف وصَفّ تجسدهما حكومة الوحدة الوطنية التي تستند إلى قاعدة برلمانية واسعة (94 نائبا من 120) بما يوازي 80 في المئة من مجموع الشعب الإسرائيلي. فالجديد إذاً يكمن في الجهوزية الإسرائيلية التي تخوّل تل أبيب امتلاك أوراق عدة، لعلّ أبرزها:

أولا، توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية مستفيدة من انشغال الولايات المتحدة في انتخاباتها الرئاسية مع انطلاق السباق إلى البيت الأبيض، فضلاً عن رفضها المطلق جعل مصيرها في يد الولايات المتحدة، وبالتالي مصلحتها تكمن في توجيه هذه الضربة في غضون الأشهر المقبلة قبل أن تفقد القدرة على المبادرة، هذه المبادرة التي تصبح في يد أميركا وحدها كون الأسلحة التي بحوزة إسرائيل سوف تفقد فعاليتها مع تطوير طهران وسائل حماية مشروعها النووي.

ثانيا، تزخيم المحادثات التي استؤنفت بين إيران والمجموعة الدولية، هذه المحادثات التي تشهد جولة مفصلية في 23 الجاري في بغداد وتعوّل عليها واشنطن من أجل إحداث اختراق نوعي في هذا الملف، وبالتالي قد تكون الحكومة الائتلافية-العسكرية رسالة إسرائيلية بالتواطؤ مع الولايات المتحدة ومفادها أنها تتحرك لضرب إيران بغية دفع الأخيرة لتقديم مزيد من التنازلات التي قد تفضي إلى ترجيح الخيار السلمي على العسكري.

ثالثا، توجيه ضربة لـ"حزب الله" للقضاء على التمدّد الإيراني وحرمان طهران من القدرة على المناورة والابتزاز في الورقة الفلسطينية، خصوصا أن هذه الضربة المحتملة تتزامن مع الأزمة السورية التي أفقدت إيران المرتكز الأبرز الذي جسدته دمشق ضمن سياق سياسة الملالي التوسعية، كما أفقدتها حركة "حماس" التي افترقت مصالحها وأولوياتها عن المحور الممانع.

رابعا، على رغم أن السلام ما زال مستبعدا، إلا أن حكومة من هذا النوع، أي حكومة متحررة من الضغوط والمزايدات، بإمكانها استئناف المفاوضات واتخاذ قرارات صعبة تتعلق بالمستوطنات والأمن والحدود في ظل الاختراق الذي نجحت السلطة الفلسطينية بإحداثه، من خلال جَعل الدولة الفلسطينية مطلبا دوليا.

خامسا، محاولة إسرائيلية للمقايضة بين إعادة إطلاق العملية السياسية مع السلطة الفلسطينية وبين استهداف المنشآت النووية الإيرانية، أي إغراء واشنطن باعتماد سياسة الجَزرة (المفاوضات) مقابل استخدام العصا (الحرب)، والإشارات السلمية المحتملة لن تكون سوى الغطاء لتحريك آلتها العسكرية ضد برنامج إيران النووي، فهي بحاجة لتبرير ضربتها التي تضعها في خانة الوجودية بإعطاء إشارات سلمية، وذلك تلافياً لموجة صخب دولية ضدها. وعليه، من الواضح أن إسرائيل استعادت زمام المبادرة وانتقلت إلى مرحلة الهجوم، هذه المرحلة التي تؤشر كل احتمالاتها إلى الحرب، لأنه حتى الخيار السلمي سيسعى المحور الممانع إلى تفجيره، وبالتالي جَرّ المنطقة إلى الحرب.

ومن هذا المنطق دخلت المنطقة في صيف ساخن، والخشية الكبرى تبقى في دور "حزب الله" ومؤازرته لإيران في حال استهدافها، وانعكاس هذا الدور على استقرار لبنان كونه يجرّ البلد إلى حرب مدمرة، وهذا ما يدلّل للمرة المليون على خطورة سلاح هذا الحزب وضرورة وضعه في يد الدولة اللبنانية تلافياً لأيّ مغامرة يدفع الشعب اللبناني وحده ثمنها.

السابق
ندمت لأنني لم أشارك العلمانيين في مسيرتنا
التالي
الصورة تتكلم