حزب الله يصبر على الشركاء

إذا كانت الأطراف التي تتألف منها الأكثرية تتناوب على التصعيد الإعلامي والسياسي وعلى التذمر من سلوك الشركاء المفترضين في الحكومة، وصولا الى التلويح باتخاذ مواقف سلبية من مبدأ البقاء فيها، إلا أن قوى فاعلة في هذا «التحالف الاضطراري» ما تزال تتصرف على أساس أن الحكومة باقية في الخدمة حتى إشعار آخر، وأن مكوناتها محكومة في نهاية المطاف بالتوافق حول الملفات المستعصية أو أقله تنظيم الخلاف بشأنها، ما دامت البدائل متعذرة في الوقت الحاضر.
وتحت هذا السقف، يمكن توقع المزيد من جولات الكر والفر بين أفرقاء الحكومة، على إيقاع ضغوط متبادلة لتحسين المواقع، ولكن من دون أن تتطور «الحروب الصغيرة» الى مواجهة كبرى، تنسف المعادلة الحالية، كما ثبت خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، حيث بدا أن أحدا لم يكن مستعدا للقيام بعملية انتحارية وتفجير نفسه بالحكومة، على الرغم من أن البعض دخل الى الجلسة مزنرا بحزام الإنفاق المالي الناسف.
وبهذا المعنى، يمكن القول إنه لم يحن بعد أوان إسقاط الاعتبارات التي حمت الحكومة حتى الآن، مع ما يعنيه ذلك من استمرار ترنحها «الممسوك» على الحافة الرفيعة، فلا تنزلق إلى الهاوية ولا تبتعد عنها، بانتظار ما ستحمله رياح التطورات الإقليمية في المدى المنظور.

ولئن كان كل طرف في الحكومة يملك هامشا من المناورة، يتيح له تنفيس احتقانه وتسييل غضبه من وقت الى آخر، فإن «حزب الله» الذي ربما يكون الأشد اعتراضا على النهج الحكومي يبدو الأكثر انضباطا في سلوكه وردود أفعاله، آخذا في الاعتبار أن الأولوية في هذه المرحلة الانتقالية هي للمحافظة على «الستاتيكو» الحالي الى حين تحسن الرؤية في المنطقة، فتراه يحتوي وليد جنبلاط مع أنه يذهب بعيدا في خياراته المضادة، ويتفهم انفعالات ميشال عون بكل ما تجره من تبعات سياسية أحيانا، ويراعي خصوصية رئيس الجمهورية ميشال سليمان برغم المآخذ على سلوكه، ويتكيف مع حسابات الرئيس نجيب ميقاتي ومناوراته السياسية برغم أزمة الثقة بينهما.
يفعل «حزب الله» كل ذلك، وفي فمه ماء كثير، يمنعه من البوح بحقيقة ما يشعر به ويفكر فيه، وهو يراقب حالة الترهل التي تعاني منها الحكومة والمؤسسات الرسمية على مختلف المستويات، وهذا ما عكسه أحد مسؤولي الحزب بقوله: «يدّعي خصومنا أننا دولة ضمن الدولة… ولكن ما نلمسه من تجربتنا في السلطة، يدفع إلى التساؤل عما إذا كان يوجد أصلا دولة حتى نحل مكانها»؟

يعتقد الحزب أن الوقت الراهن ليس ملائما لترف المغامرات السياسية، وهو يتشارك مع الرئيس نبيه بري في استغراب الافتتاح المبكر للحملات الانتخابية ومسارعة بعض الأقطاب الى قص شريط التعبئة الاعلامية والسياسية منذ الآن، بل ان هناك في الأكثرية من يرى أن الأنظار يجب أن تتركز بالدرجة الأولى على رصد مسار المفاوضات بين الاميركيين والإيرانيين، واتجاه الأزمة في سوريا، لأن الانتخابات المقبلة، قانونا وتحالفات، ستتأثر الى حد كبير بموازين القوى الاقليمية والدولية التي تنعكس تلقائيا على موازين القوى المحلية.
وفي هذا السياق، نُقل عن بري مجددا قوله إن ما من مبرر لتوتير البلد وإنهاك الناس بمعارك انتخابية سابقة لأوانها، ناصحا بتأجيلها، ومنبها الى ان الوضع الداخلي الهش لا يحتمل الدخول في حرب استنزاف، من اليوم وحتى موعد فتح صناديق الاقتراع بعد قرابة عام، إلا إذا كان المطلوب إغراق الحكومة في مزيد من الشلل.

وإذ يتجنب بري الانزلاق الى أي سجال مع الرئيس سعد الحريري على خلفية خطابه الأخير، يلفت الانتباه الى انه يوافقه على شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، إذا كان يقصد النظام الطائفي. أما لغة جنبلاط الحادة مؤخرا، فيحاول بري التخفيف من وطأتها، مشيرا الى ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي لم ينضم الى فريق 14 آذار وما يزال جزءا من الأكثرية الحاكمة، مستندا الى التوضيحات التي نقلها إليه الوزير وائل ابو فاعور حول خلفيات كلمة جنبلاط قبل أيام في صوفر، حيث أكد أبو فاعور لرئيس المجلس أن جنبلاط ليس بصدد تغيير تموضعه السياسي وأنه حريص على حماية العلاقة مع بري و«حزب الله».
في المقابل، تعرضت العلاقة بين جنبلاط وقيادة الجيش لبعض الاهتزاز في أعقاب تحذير جنبلاط من استعادة شعار»الجيش هو الحل» وتساؤله عن «أي جيش يتحدثون في ظل غياب الاسراتيجية الدفاعية»، وصولا الى الكلام حول «القائد المعلّب»، الأمر الذي فُهم أنه رسالة موجهة الى العماد جان قهوجي، ما اثار استغراب مصادر عسكرية اعتبرت ان موقف جنبلاط غير مبرر، لا سيما أن قهوجي يقف على مسافة واحدة من الجميع ولا يعمل لمصلحة أحد على حساب أحد، مرجحة انزعاج جنبلاط من نجاح الجيش في ضبط محاولات متكررة لتهريب أسلحة الى الشمال، ومنه الى سوريا.

وتشدد المصادر العسكرية على انه إذا كانت انتقادات جنبلاط تنطلق من تصويب مبكر على احتمال ترشح قهوجي الى رئاسة الجمورية، فهو يكون قد أخطأ في اختيار الهدف، لأن قائد الجيش أبلغ المقربين منه صراحة انه ليس لديه أي طموح رئاسي، ولا يسعى حتى وراء تمديد قيادته للجيش، بل يتطلع إلى أن ينهي خدمته وقد أدى واجباته بأفضل طريقة ممكنة.

السابق
تصحيح انحراف حدودي من قبل اليونيفيل
التالي
سيرا: الجدار لتفادي النزاعات