من يتآمر على الحريري وجنبلاط؟

يكاد اللبنانيون يتعقّدون وهم يشاهدون طوابير المواطنين يتوجهون إلى صناديق الاقتراع لاختيار من سيمثلهم في البرلمان، كما في أرمينيا واليونان وسوريا، على علاتها، أو سيحكمهم، كما في فرنسا. وهم إذ ينظرون إلى المستنقع السياسي في بلدهم فلا يجدون سوى زبد القذارة، والإسفاف، والمنزلقات في اللسان والانحطاط في الأخلاق.
وقد خالط قرفهم ويأسهم خوف متجدد من فتنة مذهبية يدفع إليها، من دون ان يدروا، أولئك الذين قالوا أخيراً، انهم عملوا على «درء الفتنة ونجحنا، ولسنا أبداً نادمين»، إذ ان مجرد الحديث عن الفتنة، وإن في معرض غلبتها، من شأنه إيقاظها. وكلنا نعلم انها وحش مفترس ومدمّر، لا يرحم متى استُفزّ.

فقد كانت كافية لاستفزاز ذلك الوحش العبارات التي وجهها الزعيم وليد جنبلاط في خطابه الأخير في صوفر إلى «حزب الله» من دون ان يسميه: «ما من أحد يتعلم من عبر الماضي، بمعنى انه ما من أحد مهما فاضت قوته في هذا البلد، يستطيع أن يُلغي الآخر. ماذا يريدون؟ الاستيلاء على كل المقدرات، مقدرات البلاد والعباد، والإدارة والقضاء والجيش (…) وجعلنا ملاحق وأذنابا؟».
ومن حسن الحظ ان جنبلاط لم يكن يرتجل، بل كان يتلو نصاً أعده بنفسه، ولا بد من أن يكون راجعه أكثر من مرة ليستدرك، بعدما اعتبر أن ثمة «مؤامرة لإلغائه، وان القضية المطروحة انطلاقاً من قانون النسبية للانتخابات، هي ان نكون أو لا نكون»، انه سيتصرف «بهدوء وتروٍّ خارج الانفعال والهيجان».
ولقد كان كلام جنبلاط مستغرباً حيال «حزب الله» والمقاومة، إذ كانت كل المؤشرات تفيد ان لا مشكلة بين جنبلاط والحزب، وان الاختلاف في وجهات النظر بالنسبة إلى الوضع السوري انحصر في الإطار السياسي الذي لا يُلزم احدهما الآخر به.
ولا نرى انه من المنطق اعتبار «حزب الله» مسؤولاً عن الكلام الذي صدر عن العماد ميشال عون في الاحتفال الذي أقيم في الذكرى السابعة لعودته من المنفى، واعتبره الزعيم الاشتراكي مهيناً له، واصفاً عون بـ «شتّام» بحث عن مثيل له للرد عليه بأجر فلم يجده «لأن جميعهم نأوا بأنفسهم».

وكان جنبلاط، رغم غضبه من العبارات التي وجهها إليه عون، وهي مُستنكرة، في غنى عن نبش القبور، لأن هذا يثير اشمئزاز بكركي، قبل عون.
وما لم يقله جنبلاط صراحة عن قانون النسبية، قاله الرئيس سعد الحريري في ذكرى 7 أيار، وزاد عليه رفضه إجراء الانتخابات قبل نزع سلاح «حزب الله»، مؤكداً «قرارنا ان نواجه هذه المؤامرة على النظام الديموقراطي»، معتبراً ان ثمة من يعمل «من أجل انتخابات وقوانين انتخاب تخضع لإرهاب السلاح».
وخلافاً للظن ان سهام جنبلاط والحريري الانتخابية ستصيب «حزب الله» وعون على أساس انهما يشجعان على اعتماد النظام النسبي لأنه يصحح التوازن المختل، كما يحقق التمثيل الصحيح والعادل، ويُدخل الندوة البرلمانية الجماعات التي تتمتع بحضور سياسي، لكن النظام الأكثري والمال السياسي وتزوير إرادة الناخبين تقصيها عن ساحة النجمة… بينما الواقع هو ان سهامهما أصابت رئيس الجمهورية، لأنه صاحب فكرة النسبية، وداعمها، ومصرّ عليها. وهو يكرر في كل مناسبة ان قانون الستين «ظالم»، وان النسبية هي النظام الانتخابي الأمثل.

وفي ذهن الرئيس ما قاله أبو الدستور ميشال شيحا في محاضرة له عام 1942 بعنوان «لبنان اليوم»، «ان الهدف الأول والأسمى لأي مجلس نواب لبناني، هو ان يعزز فينا إرادة العيش المشترك. ويكون مجلساً يتيح لنا أن ننظر معاً في القضايا العامة بروح بعيدة عن المصالح الطائفية، المارونية والسنية، الشيعية والدرزية، الأرثوذكسية والكاثوليكية وسواها (…) مستهدين بالحكمة، والاعتدال، ومدركين أهمية المصلحة العامة، بعيداً من الاستئثار والتشنج».
إلا أن الرئيس الذي يريد أن يترك أثراً للتاريخ لدى مروره في الرئاسة، بالمساعدة على إقرار أول قانون للتمثيل الصحيح والعادل للعائلات اللبنانية في مجلس النواب، يجد نفسه مغلول اليدين.. خصوصاً بعد دخول الموفد الأميركي جيفري فيلتمان على الخط وجولته التحريضية الأسبوع الماضي.

اننا أمام مأزق يُعتبر رئيس الجمهورية محوره الرئيسي، وهو صاحب الكلمة الفصل والمطمئنة للنائب جنبلاط وللرئيس الحريري ومن يدور في فلكهما، بأن لا مؤامرة عليهما، وانه حريص على إيصال كل ذي حق إلى حقه، بعيداً من «البهورة» والاستفزاز والتحريض الطائفي، والإرهاب المذهبي.

السابق
السفير: بان كي مون يحذر من إعادة النظر بمهمة المراقبين.. وفرز الانتخابات يتواصل
التالي
بلديات الشقيف: مشروع فرز النفايات في خطر