الضاحية تمحو آثار تموز

تحتفل الضاحية الجنوبية غداً بـ«نصرها الثالث»، كما ترغب هي في التسمية، بعد التحرير في أيار العام 2000، وحرب تموز في العام 2006. فقد أنهت مؤسسة «وعد» التابعة لـ«جهاد البناء»، إعادة بناء ما تهدم في الضاحية خلال حرب تموز. وقبل ذلك أنهى الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله «عقيدة الضاحية» التي حاول الجيش الإسرائيلي إرساءها خلال الحرب، عندما أعلن في خطاب ألقاه في الرابع عشر من آب العام 2009 أنه «إذا قصفت إسرائيل الضاحية سنقصف تل أبيب».
هكذا في أيار، شهر الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، قرر الحزب إقامة احتفاله في شارع الشورى، الذي يحمل بالنسبة إليه رمزية كبرى، كونه كان مركز الشورى التابع له، ويمثل المربع الأمني الأول في الضاحية، وقد تم تدميره بالكامل، لكي يعاد بناؤه بعد خمس سنوات بالكامل. فيما يفترض أن يتوجه نصر الله بلغته العاطفية إلى أهالي الضاحية، لأن البناء بعد الدمار، يفرض عاطفته القوية.

ليس من المبالغة القول إن «وعد» أنهت عملية البناء خلال فترة زمنية قصيرة، مقارنة بمشاريع الإعمار التي تستغرق سنوات طوال في لبنان. وبعد الانتقادات التي وجهت إلى «حزب الله»، لتوليه عملية البناء، بدل الحكومة، تبين أن الحكومة لم تنه حتى اليوم دفع كامل التعويضات للسكان، وكان يمكن أن يكون مصير منازل الضاحية شبيهاً بمصير منازل الحرب الأهلية، المستمرة على جداول التعويضات، منذ اثنين وعشرين عاماً.

في مقابل تأكيد قيادات الحزب مراراً الإصرار على إنهاء عملية الإعمار، بغض النظر عن تأخر التعويضات.. أو حتى عدم دفعها، فإن المقولة التي رددها بعض المعارضين سابقاً «بأن الحزب هو سبب الهدم، وعليه تولي البناء» تنطبق على الجميع لأن الدمار الذي لحق بلبنان، كان من جراء حروب خاضتها أحزاب وقوى، وكان يفترض أن تبني بنفسها ما هدمته، لا أن تتولى الحكومة عملية التعويض.
أما الأهم في ذلك، فهو عودة جميع المباني إلى أمكنتها، وضمن نسيج العيش نفسه الذي كان قبل الحرب، لا كما حصل في وسط بيروت، حيث تغير النسيج العمراني والاجتماعي فيها كلياً.
5700 وحدة سكنية وتجارية

يوضح مدير «مؤسسة وعد» المهندس حسن الجشي أن عدد المباني التي تهدمت كلياً في الضاحية، بلغ مئتين وسبعين مبنى، تولت «وعد» بناء مئتين وتسعة وثلاثين مبنى منها، وساهمت مالياً وهندسياً في بناء تسعة عشر مبنى، بعدما أبدى أصحابها رغبتهم في تولي بنائها بأنفسهم، بينما قرر أصحاب اثني عشر مبنى يقطن فيها مستأجرون قدامى، عدم إعادة مبانيهم. وحصل كل مستأجر قديم على تعويض من صندوق المهجرين، بقيمة خمسة وعشرين مليون ليرة، ومن «وعد» على مبلغ، يراوح بين عشرة وخمسة وعشرين ألف دولار، تبعاً لمساحة كل شقة، وذلك من أجل مساعدة المستأجرين على شراء شقق جديدة، وبعضهم حصل على تعويضه، وبنى منزلاً في الجنوب.
تضم جميع المباني التي أعيد بناؤها، خمسة آلاف وسبعمئة وحدة، بين شقة سكنية ومحال تجارية، فيما بدأت عملية البناء في شهر حزيران من العام 2007، وسلم المبنى الأول في العام 2008، ثم ستة وستون مبنى في العام 2009، وأربعة وتسعون مبنى في العام 2010 ، مع حل مشاكل المستأجرين القدامى في العام نفسه، ثم مئة مبنى في العام 2011، وفي نهاية شباط الماضي تم تسليم المباني السبعة الأخيرة. وستستمر «وعد» بمتابعة المشاكل التي تعترض أصحاب الشقق لمدة عام آخر.
أما التكلفة الإجمالية للإعمار، فقد بلغت أربعمئة مليون دولار أميركي، هي عبارة عن مبالغ نقدية، وتبرعات وهبات عينية تتعلق بمواد البناء. في المقابل، بلغت قيمة التعويضات التي قررت الحكومة دفعها نحو مئتين وثلاثة عشر مليوناً وتسعمئة ألف دولار، دفعت منها حتى الآن عبر صندوق المهجرين، مئة وثلاثة وثلاثين مليوناً وتسعمئة ألف دولار، ولا يزال في عهدتها ثمانون مليون دولار. ولم تدرج أصلا مسألة تدعيم المباني المجاورة لتلك التي انهارت ضمن تعويضات الحكومة، فتولت «جهاد البناء» تدعيمها، بكلفة قاربت السبعة ملايين دولار.
وفي حال تم احتساب النسبة التي دفعتها الحكومة حتى الآن من مجمل الكلفة الإجمالية للمشروع، فهي تبلغ نحو ثلاثة وثلاثين ونصفاً في المئة تقريباً. وقد أقرت الحكومة منذ شهرين تقريباً سلفة مالية بقيمة مئة وخمسة وسبعين مليار ليرة، لاستكمال التعويضات في الضاحية والجنوب والبقاع، لكنها لم تصل بعد إلى «الهيئة العليا للإغاثة»، ولا إلى صندوق المهجرين، ولا إلى مجلس الجنوب.

4 آلاف عامل دفعة واحدة

واجهت عملية البناء مصاعب عدة وشاقة، كما يؤكد الجشي، وذلك لأنها لم تحصل على أرض فارغة، وإنما على أرض مكتظة بالسكان، وضيقة المساحات. ويورد أن عدد العاملين في الإعمار، من مهندسين وعمال ومهنيين في الحدادة والنجارة والكهرباء، وصل في فترات الذروة إلى أربعة آلاف عامل، دفعة واحدة. وقد تطلب ذلك بذل جهود كبرى بالتنسيق مع البلديات، لتسهيل مرور الشاحنات والآليات التي تحمل مواد البناء.
وواجهت «وعد» مشاكل في عقارات بعض المباني، واضطرت إلى حلها من دون تحميل أصحابها أعباء كلفتها، فكان «مجمع الحسن» مثلا الذي دمرته إسرائيل آخر يوم في الحرب، يضم ثمانية مبان على مساحة أربعة آلاف وخمسمئة متر مربع، فتم بناء خمسة مبان على الأرض الأصلية، واشترت «وعد» أرضاً مجاورة لها بمساحة أربعة آلاف متر مربع، لكي تبني عليها المباني الثلاثة الأخرى.
وتبين أن أحد المباني، وهو يضم تسع عشرة شقة، كان مرهوناً لأحد المصارف، وأفلس صاحبه، فاضطرت «وعد» إلى شراء الأرض المرهونة، عبر القضاء، ودفع ثمنها، ثم البناء عليها. وفي مكان آخر أزالت مبنى كاملاً مخالفاً، بعدما بناه أحد تجار العقارات على موقف سيارات يقع بين مبنيين يملكهما، وأعطت تعويضات لأصحاب الشقق وعددهم سبعة.
وكما هي الحال في كل عملية بناء، تلقى العاملون في «وعد» شكاوى ومراجعات لا تحصى. وتردد أن البلاط الذي استخدم في تبليط الشقق من الأنواع الرخيصة، فأوضح الجشي أن جميع بلاط المباني هو صناعة تركية وبرتغالية. وترددت شكاوى كثيرة من تضييق مساحات الشقق السكنية، فأوضح أن جميع الشقق بنيت ضمن مساحاتها السابقة نفسها، مع تغييرات في التصاميم الداخلية، باستثناء مبنى واحد في شارع السيد عباس الموسوي، حصل فيه تراجع كبير بسبب التعدي على الشارع العام، وأدى ذلك إلى تراجع مساحة كل شقة، من مئة وستين متراً إلى مئة وخمسة وثلاثين متراً، وتم دفع تعويض مالي لأصحابها أكبر من قيمة المساحات التي فقدت.
وشكا عدد من السكان من استيلاء بعض أصحاب الشقق على خزانات مياه وضعت في المباني، فأوضح الجشي أنه تم تسليم جميع الخزانات إلى رؤساء لجان المباني، وأصبحوا مسؤولين عنها.
ومن المعروف أن عدداً كبيراً من المباني كانت قديمة، في نصف عمرها تقريباً، فزيدت إليها مواصفات وخدمات، لم تكن متوفرة فيها، مثل مواصفات مقاومة الزلازل، وتركيب مولدات كهرباء، وحفر آبار ارتوازية، بالإضافة إلى مياه الشرب التابعة للدولة، ووضع مطافئ في غرف الكهرباء، وتركيب مصاعد ببابين، وبناء جدران خارجية مزدوجة، وتركيب سخانات مياه مغلفة بالبورسلان، كي لا تتلف بسرعة بالمياه الكلسية.
وتم تأمين مرائب للسيارات إضافية تحت الأرض تتسع لتسعة آلاف سيارة، عبر استحداث طوابق سفلية إضافية، أو شراء طوابق سفلية، كانت مخازن سابقاً. وتم تبليط كل أدراج المباني بالغرانيت.
أما الطرق فقد تم تأهيلها بالتعاون مع «مجلس الإنماء والإعمار»، وتمديدات الكهرباء بالتعاون مع «مؤسسة كهرباء لبنان»، والمياه بالتعاون مع مصالح مياه بيروت وجبل لبنان، والهاتف مع «مؤسسة أوجيرو». ويفترض أن ينتهي تأهيل الطرق في الأيام القليلة المقبلة. وتم غرس أشجار على جوانب الأرصفة، وتركيب ستائر من لون واحد للمحال التجارية في شارع الشورى من اجل إعطاء مشهد منسجم للشارع.
وتولى عملية الإعمار ثلاث وعشرون شركة مقاولات، وخمسون شركة دراسات هندسية، وأشرفت على تنفيذها سبع شركات.
ولأن التجربة كبرى، قررت «وعد» توثيقها، وقد بدأ المهندسون والعاملون في المؤسسة كتابة تقارير عن عملهم من أجل جمعها في مجلد واحد. وقررت الإعداد لورشة كبرى، خلال الأشهر المقبلة، تناقش فيها تجربة الإعمار بعد الحرب، ويشارك فيها مهندسون وخبراء عرب وأجانب ولبنانيون.

السابق
تعليمات سورية لـ8 آذار: أنجزوا قانوناً إنتخابياً يُنهي الحريري وجنبلاط !!
التالي
سانا: تفجيرا دمشق أديا لوقوع عشرات القتلى والجرحى من المدنيين