مد يساري جديد

طالعتنا الصحف أول من أمس بفوز الاشتراكي فرانسوا هولاند في انتخابات الرئاسة الفرنسية على مرشح اليمين ساركوزي، بعد سيطرة لليمين الفرنسي دامت 17 عاماً.
ولفوز هولاند بنسبة 53 في المئة دلالة واضحة على تذمر الفرنسيين من سياسات ساركوزي الذي يجنح للشيفونية والنيوليبرالية الاقتصادية، والذي كان يقود فرنسا نحو سياسات تقشف رفعت أعباء المعيشة والبطالة بين الفرنسيين.
وقد اختار الشعب هولاند الاشتراكي الذي دعا إلى إعادة التفاوض على «الميثاق المالي» للاتحاد الأوروبي وإلى «ميثاق نمو» لانعاش الاقتصادات الراكدة وخلق وظائف جديدة وإعادة الاعتبار للخدمات الاجتماعية، وقال مارتين شولز رئيس حزب الاشتراكيين الديموقراطيين الألماني: «إن فوز هولاند هو إشارة إلى أوروبا بأكملها».
كما طالعتنا الصحف في اليوم نفسه بخروج تظاهرة يسارية كبيرة في موسكو وبعض المدن الروسية مناهضة لبوتين وسياسته اليمينية عشية عودته إلى الكرملين، قادها زعيم اليسار سيرغي أودالتسوف قوبلت بقمع أجهزة الأمن واعتقال 250 شخصاً بينهم زعيم جبهة اليسار.

وفي بوليفيا تمت اعادة تأميم قطاع الكهرباء بسبب سوء أدائه لمدة 15 سنة من خصخصته، وبوليفيا تحكمها حكومة يسارية تهدف إلى بناء الاشتراكية، كما أعادت الأرجنتين تأميم كبرى شركاتها النفطية بعد 19 عاماً على خصخصتها، إذ لم تؤد الخصخصة إلى تحسين الإدارة أو تقليل الفساد، بل أدت زيادة الفساد بالإضافة إلى تركز الثروة بيد الأقلية إلى ملكية الشركات الأجنبية للقطاعات الحيوية في الاقتصاد.
ومن المعروف أن دول أميركا اللاتينية قامت بخصخصة واسعة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي بضغط من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والآن تتراجع دول عدة هناك عن الخصخصة مثل فنزويلا وبوليفيا والأكوادور والأرجنتين والبرازيل. (المادة من ترجمة مرزوق النصف، طالب في الولايات المتحدة).

كما شهدت المدن الكولومبية في السنوات الماضية العديد من التظاهرات الكبيرة التي نظمتها أحزاب يسارية احتجاجاً على الأوضاع السيئة والتي أطلق عليها «المسيرة الوطنية»، وعقد مؤتمر في العاصمة بوغوتا انبثق منه تنظيم يساري واسع جديد، يهدف إلى «الاستقلال الثاني» أو التخلص من التبعية للولايات المتحدة وتحرير غالبية الشعب من هيمنة الأقلية، وفي المؤتمر تم التأكيد على البديل الاشتراكي، وجاءت هذه الأحداث ضمن اجراءات أمنية تذكر بتصفية آلاف التقدميين من قبل رجال الأمن قبل سنوات، وتعرضت الوفود المشاركة بالمؤتمر والصحافيون للتفتيش والمضايقة، وسارت مظاهرة حاشدة إلى ساحة البوليفار المكتظة بالجماهير.
وإذا ما تجاوزنا ما يجري بالشرق الأقصى من حراك، فإننا نلاحظ أن هناك شيئاً ما يحدث في العالم أشبه بمخاض يحمل مداً ورياح تغيير، وكأن الأزمة الاقتصادية الرأسمالية وسياسة النيوليبرالية ساهمتا بفتح الغشاء الأميوني للمشيمة، لكن التغيير سيحتاج إلى نضال سنوات من شعوب العالم.

وقد نسلط الضوء في المقال المقبل على التغييرات المتوقعة في أوروبا وتحليلات المحللين حول هذا الموضوع.

السابق
أيامها الأخيرة
التالي
حكومة اللاحرب؟