عدوّان يخشاهما جنبلاط

عدّوان يخشاهما النائب وليد جنبلاط أكثر ممّا يخشى السلاح: النسبيّة والدوائر الكبرى في أيّ قانون انتخاب.

فالسلاح يمكن مواجهته أو مسايرته، بألف وسيلة ووسيلة، كما فعل جنبلاط مع السلاح السوري من العام 1977 وحتى العام 2005، وبعدها مع سلاح "حزب الله".
إلّا أنّ النسبيّة والدوائر الكبرى في حال إقرار أيّ منهما، تهدّد الوجود السياسي للزعيم الدرزي لأنّها في كلّ المعادلات والحسابات تؤدّي إلى تحجيم كتلته وشلّ قدرته وتهميش دوره ودور طائفته، ما يُعتبر خطّاً أحمر بالنسبة إليه.

وفي الواقع، لم يثبت أنّ الدوائر الكبرى تؤدّي إلى خفض منسوب التوتّر في البلد والى الانصهار الوطني، إذ إنّ الانقسام العمودي في المشهد السياسيّ اللبناني هو انقسام سياسيّ بالدرجة الأولى، بدليل أنّ نصف المسيحيين متحالف مع الطائفة الشيعية، والنصف الآخر مع الطائفة السنّية. فيما شخصيات كثيرة، في الطائفة السنّية، ترتبط سياسيّاً مع الشيعة بشكل أو بآخر، وفي مقدّمهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزراء مثل محمد الصفدي وأحمد وفيصل كرامي وغيرهم، وإن كانوا لا يتمتعون بنسب تمثيلية عالية كتيار الرئيس سعد الحريري.

وفي الدوائر الكبرى، تذوب الخصوصيّات السياسية والمناطقيّة والعائلات وناشطو المجتمع المدني، وينكفىء المستقلّون ورجال الفكر والأقلام، ويزدهر عصر الأزلام، وهم الأكثر حماسة للصراخ والتوتير وإثارة النعرات والعصبيات، لحاجتهم إلى إرضاء مرجعيّاتهم.

وأيّاً يكن قانون الانتخاب، تنطلق قوى 8 آذار في حساباتها بمعزل عن جنبلاط، وتريد أن تنال أكثريّة تخوّلها استمرار سيطرتها على السلطة شرعاً، من دون أن تكون في حاجة إلى جنبلاط، فإذا أحبّ أن ينضمّ إليها يكون الثمن السياسي معقولاً، وإذا لم يحبّ فلا مشكلة.

كذلك تفكّر قوى 14 آذار جدياً في معركة تضمن لها غالبية نيابيّة بلا جنبلاط، خوفاً من تكرار تجربتها في تحالفها معه.

أما جنبلاط اليوم، فلا يهمّه مَن يفوز في الانتخابات المُقبلة من 8 او 14 آذار، بمقدار ما يهمّه أن تأتي النتائج متقاربة إلى حدّ التعادل، لكي تعود له الكلمة الفصل في اختيار الجهة التي يرغب في منحها الغالبية ومشاركتها الحكم بشروطه.

ويميل جنبلاط في هذه الفترة إلى تسويق شعار أنّه "متحالف سياسيّاً مع 8 اذار وانتخابيّاً مع 14 اذار"، ما يعني أنّه إذا رأى أنّ قوى 8 آذار ستطيح منافسيها، فلن يكون رقماً في سلّتها أو إلى جانبها، بل سيسعى إلى إيجاد ما يُمكن من توازن على الصعيد الوطني. وبالتالي، سيخوض الانتخابات بالتحالف مع قوى 14 آذار.

ولا غرابة في هذا الأمر، اذ إنّ جنبلاط ليس مُغرماً بسلاح "حزب الله"، ولا بشهر عسل مع العماد ميشال عون، ولا يأرق ليلاً لأنّه قطع كلّ الجسور مع النظام السوري.
في كلّ حال، ليس في استطاعة 8 ولا 14 آذار تأمين غالبيّة كافية بلا جنبلاط لاستلام السلطة، سواء في ظل قانون الانتخاب الحالي أم في ظلّ أيّ قانون آخر. وبالتالي، سيبقى الجميع في حاجة إلى جنبلاط الذي قد يبقى بدوره أسير معادلة الترهيب والترغيب.

السابق
تغيير جذري
التالي
النهار: ميقاتي يتوسط بين فريقي الحكومة لمخرج مالي.. الحريري وجنبلاط يطلان على المبارزة الانتخابية