مشروع الليطاني.. بين الاستهلاك السياسي والاستهداف الإسرائيلي

بعد أن تعذّر علينا التحادث مع المعنيين مباشرة بمشروع الليطاني، لعدم الصلاحية، وضرورة اتباع التراتب الإداري المُملّ، وصولاً إلى الوزير المختص والمنشغل بملفّات مكهربة. لزم علينا الفرج بالمشروع الذي لازمنا منذ النشأة، وتحوّل فينا إلى شيء يشبه الحلم، وإلى ذاكرة سياسية مفتوحة على هواجس حزبية استغلت المياه لتغسل أخطاء العائلات السياسية، ولتؤسس مشروعية نضالية، تستطيع من خلالها احتباس الناس في دائرة تنموية أساسية كانت تعني كل بيت جنوبي باعتباره مزارعاً يعتاش من الأرض التي يعمل فيها كأجير، أو كمالك لأرض غير بعلية.

اليسار الصاعد اعتمد آنذاك على مشروع الليطاني كركيزة وقضية للاستقطاب الجماهيري، ولمواجهة الدولة وسلطاوياتها وإقطاعياتها المحلية. فانتصر الناس للمشروع، واعتقدوا أن التيارات اليسارية الوافدة باستطاعتها تلبية احتياجات جنوبية متعطشة لمشروع حيوي يحيي موات الأرض ويباس الزرع.

مع الحرب الأهلية وسقوط الدولة وأدواتها لصالح الأسلحة الداخلية، أمسك اليسار بالسياسات المحلية، وبسط نفوذه الواسع على الجنوب، وما عاد مشروع الليطاني شيئاً يذكر وبات نسياً منسياً من الخطابات الثوروية. وبات التحدث بالليطاني حديثاً مُعطِلاً للثورة الاشتراكية ومُهدداً لأمن المقاومة الفلسطينية. ورغم الإمكانيات المادية وتحت حُجج إسرائيلية ضاع النهر، وسقط المشروع في زحمة السير في الطرق المؤدية إلى تحرير البلد من اليمين والاستعمار.

وثبت حركة أمل من غيبة المؤسس لها، لتصحح مسارات سياسية خاطئة، فأكملت مسيرة السيد موسى الصدر الخلافية مع اليسار اللبناني والفلسطيني، وبطريقة صرفية تنازعية عسكرية وسياسية، وكان مشروع الليطاني حاضراً دائماً في واجهة الخلاف، وفي المواجهة التي افتتحها الإمام الصدر مع الإقطاع القديم، وفي مواجهة الحركة مع الإقطاع الجديد. وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وسقط تجربة الحركة الوطنية، واستبقاء أمل، كتيار وارث بالإكراه، الظرفي لليسار اللبناني والمقاومة الفلسطينية المرحّلة، نشط مشروع الليطاني بعيد الانسحاب الإسرائيلي في خطابية الرئاسة الأملوية، ونام بعدها المشروع نومة طويلة، وتمّ إعطاء الجنوبيين مسكناً من عيار خفيف وصناعة مغشوشة، ونامت مصالحهم المعوّلة على استزراع خصب يوفره لهم مشروع الليطاني.

في الدورة الانتخابية البرلمانية الأخيرة دقّ الرئيس بري بمطرقته صخر المشروع لتنفجر منه عيون تشرب منها الأراضي والبيوت الظمئة. وأكد على مشروع الليطاني باعتباره مفتاح التنمية وساحة المعركة الجديدة للكتلة التنموية التي يرأسها، وحدّد لها سقوفاً جديدة ومهلاً للبدء في ورش السدود. وبعد سنوات من الخطاب الفعلي تمّ تلزيم المشروع وأمست الدولة اللبنانية والكويتية في قابلية الفعل لإغناء مساحة مهملة من السدود والمرافق الحيوية، لإنعاش منطقة لم يتوفّر لها سوى مشاريع الموت وفق استراتيجيات متعددة.

بالتأكيد للمشروع حيوية مذكورة منذ زمن، وهي على صلة مباشرة بالانتعاش الزراعي تحديداً والاقتصادي عموماً لإيجاد دورة إنتاجية خصبة تجعل الجنوب قوة اقتصادية مساهمة في الحياة الاقتصادية بدلاً من جموده وانكماشه في دوائر الاسمنت والعقارات التي تغني البعض و"تشحّر" الكثرة الجنوبية المفتقرة للإمكانيات الشرائية في بورصة العقارات التي أجنّتها الرساميل السياسية والاغترابية على حد سواء.
إن نجاح المشروع في خروجه من دائرة الاستهلاك السياسي المحلي، ووضعه على خارطة الواقع، يعني ذلك بداية التنفيذ لسياسات تنموية ضخمة لم تكن متوفرة للجنوب في يوم من الأيام. إلاّ أن السؤال الذي يعيد نفسه وإن بطريقة مختلفة وظروف أمنية مختلفة. ما هي حقيقة الاستهداف الإسرائيلي لمشروع الليطاني؟

كما ذكرت، عطّل المشروع سابقاً، باعتبار أن الجنوب ساحة مقاومة وبالتالي فإن المشاريع والبنى التحتية مستهدفة دائماً من العدو الإسرائيلي لذا وجدت الحجة الوطنية مبررها في طيّ سجل المشروع. والآن ما هو الجديد المستجد حتى ترضى إسرائيل بالمشروع ولا تستهدفه عند أول محاولة تستطيع استغلالها لضرب بنية مشروع الليطاني.
فالجنوب ما زال ساحة مقاومة وإسرائيل عدوة تضرب عمق المصالح للدولة والشعب، وبالتالي فإن طبيعة الأمن في المنطقة تجعل المنشآت الحيوية في لبنان نقاط استهداف إسرائيلي.

ثمة قائل مسؤول يعتبر أن الصراع مع إسرائيل لا يلغي من ساحات العمل التنموي، لأننا نبني مصالحنا وفق الضرورات، وبغض النظر عن طبيعة وحسابات المعركة المفتوحة مع إسرائيل، لأن مجتمع الحرب يوفّر مستلزمات الحرب. والتنمية قد لا تكون ضرورية تحت سقف الاستقرار فقط، بل قد تكون ممكنة تحت سقوف الحروب، لكن الدفاع عنها هو إحدى النقاط الأساسية، والأداة المرجوّة لحفظ المصالح من الأخطاء والأخطار.

السابق
فياض: حكومة الاحتلال مسؤولة عن سلامة الأسرى
التالي
قناة تلفزيونية للمنقبات فقط