ضمانة المؤسسات

من حق الأوروبي أن يقلق. يكفي ان يتابع على الشاشات نداءات الاستغاثة الصادرة من دولة تغرق وأخرى مهددة. ارتفعت في الشهور الماضية أصوات تقول إن أوروبا تسرّعت باعتناق الوحدة على هذا النوع. وثمة من يرى ان العيش تحت سقف اليورو كان يجب أن يتم على دفعات، وأن الألماني لن يدفع الى ما لا نهاية ثمن تباطؤ اليوناني أو أوروبي من جنسية أخرى.

من حق الأوروبي أن يقلق. في أرجاء القارة القديمة جيوش من العاطلين عن العمل. وهناك ارتفاع الأسعار ومقاومة قطاعات من المواطنين للأدوية المرّة التي تقترحها الحكومات لإنقاذ الوضع الاقتصادي. يجد الأوروبي صعوبة في التنازل عن بعض أشكال الرعاية التي كانت توفرها الدولة وتنوء اليوم تحت أحمالها. وهناك أهل التشاؤم الذين يتحدثون عن شيخوخة القارة وتراجع ثقلها الاقتصادي أمام الصعود الصيني المتسارع، والحديث عن قدوم العمالقة الآسيويين.

يواجه الأوروبي مشكلات جدية تتفاوت بين دولة وأخرى. لكنه يملك في الحقيقة سلاحاً فعالاً يجنّب بلده الحاجة الى الغرق في الفوضى الشاملة أو العنف الدموي. إنه سلاح المؤسسات التي تتيح له حق المساءلة والمحاسبة وتغيير الوجوه والسياسات. وهذا السلاح يتيح إعادة فتح نافذة الأمل، وتجديد الرهان، وتصحيح المسار. إنه سلاح الاحتكام الى صناديق الاقتراع والانحناء أمام نتائجها.

لا يستطيع سياسي أوروبي خطف المنصب الذي حصل عليه، وتمديد إقامته فيه قسراً، واحتقار قرار الناس بإخراجه منه. محاولته تزييف الأرقام تعجّل في قرار إخراجه. محاولته اختراع أعداء لتغطية فشله يواجهها الرأي العام بعقاب شديد.

تمر هذه الملاحظات ببالك وأنت تتابع من بيروت سير الانتخابات الرئاسية الفرنسية. يقارن اللبناني المتابع بين مجريات المناظرة بين نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند وأوحال بعض السجالات السياسية في لبنان. لا يجرؤ مرشح هناك على اتهام منافسه بأنه خائن وعميل. حين اتهم ساركوزي هولاند بالكذب جاءه الرد صارماً ومهذباً في آن. لا تسمح المؤسسات الفرنسية بتحويل سلاح الاغتيالات شريكاً في حسم المعارك الانتخابية قبل موعدها أو بعد صدور النتائج.

في البلدان الديموقراطية يذهب الناس الى صناديق الاقتراع للدفاع عن مصالحهم وحقوقهم. يذهبون من اجل حياة أفضل لهم ولأبنائهم. في الإقليم المنكوب تؤدي هشاشة المؤسسات الى تحويل الانتخابات مجرد فصل من الحرب الأهلية. نذهب ونقترع للماضي وغبار المتاحف وتجديد العصبيات. نذهب كأن الانتخابات فرصة سانحة لقهر الآخرين، وكسر إرادتهم وتبديد حقوقهم وتطلعاتهم. نقبل صناديق الاقتراع شرط أن تأتي النتائج لمصلحتنا ونحتكم الى القوة إذا خيّبتنا.

نراقب انتخابات الآخرين ونشعر بالحسد. بيننا وبينهم هوة كبيرة. ليست لدينا مؤسسات حقيقية والرأي العام عندنا يهتاج بدل ان يتبصر ويراقب ويحاسب. مدارسنا متخلفة وجامعاتنا تنجب رجالاً متوترين لا يسلّمون بضرورة احترام الآخر. أفكر في البلدان التي ضربها الربيع. لا يكفي ان يذهب المستبد، إننا نحتاج الى ثورة ثقافية وفكرية وإلى تعليم عصري، وإلى مؤسسات يمكن من خلالها البحث عن الاستقرار والازدهار. إننا نعيش في مجتمعات بلا صمامات أمان.

السابق
صفحة جديدة
التالي
خارج السياق