العلامة المجتهد الشيخ حسن طراد.. مسيرة زاخرة بالعطاء والإنفتاح

"سر يا شبابُ على هدى القرآن/ متنوراً بأشعة الإيمان/ واتبع سبيل سعادة وتقدم/ رسمت مناهجه يدُ الرحمن/ ليسير أبناء الورى في ظله/ بتضامن وسلامة وأمان/ الكل شعب واحد يمضي إلى/ هدف رفيع واحد إنساني/ هو رفعة الخلق النبيل ونصرةُ/ الحق الجليل على هوى الشيطان". من بحر فكر المؤلّف اغترفنا هذه الكلمات التي أنسَنها فغدت لسان حال المتكلم بإسم الحق. هو عالمٌ عامليّ عشق الجنوب فلم يرحل عنه إلا إليه، فحمل لقبه حتى يومه هذا، سماحة العلامة المجتهد الشيخ حسن طراد العاملي، من طين الجنوب عجن شغفه بالدين، فاستقلّ المركب وراح يصارع الرياح حتى و صل الى مبتغاه، التنوُّرُ والتفقه بالعلوم الدينية.
ولد سماحة الشيخ حسن بن الحاج محمد طراد سنة 1931 م في بلدته معركة من أبوين مؤمنين متمسكين بتعاليم الدين مقدرين لرجاله، فبدأ سماحته دراسة العلوم الدينية حيث أتم دراسة المقدمات علي يد نخبة من علماء جبل عامل أمثال: العلامة السيد محمد جواد الحسيني والعلامة السيد هاشم معروف والعلامة الشيخ خليل مغنية والعلامة الشيخ موسى عزالدين، متنقلاً بين قرى العباسية ومعركة وطيردبا وجناثا، وقد أمضى سماحته تلك المرحلة الدراسية من حياته متفرغا تفرغا كليا لطلب العلم، ومخلصاً للهدف العلمي الذي وضعه نصب عينيه بشكل قد يتخطى في بعض الأحيان كل المقاييس الدراسية المطلوبة من الطالب في حينها، حيث كانت تدفعه الرغبة الجامحة والعزيمة الماضية في طلب العلم كي يمضي طيلة ساعات النهار وأكثر ساعات الليل بالمطالعة والكتابة دون ملل أو كسل، وأيضا هذه المثابرة اللامتناهية جعلت سماحة الشيخ محط إعجاب الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) الذي كان يشد على يديه ليبقى باندفاعه وتصميمه على إكمال هذا الطريق بذلك النشاط، وقد بعث الإمام شرف الدين لسماحة الشيخ هذين البيتين من الشعر وهما: طلبت المعالي وهي بِكرٌ فنلتها/ وما كل من رام المعالي ينالُها/ خلوتَ بها والناس في رقدة الكرى/ هجودٌ ولم يخطر إليهم خيالها.

المجاهد علْماً وعملاً
سافر سماحة الشيخ حسن طراد إلى النجف الأشرف سنة 1954 م، وقد توفق للدراسة على يد كبار علماء ومراجع الحوزة العلمية أمثال: المقدس الشيخ محمد تقي الجواهري وآية الله السيد اسماعيل الصدر (قده) وأخيه آية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر وكذلك درس سماحته عند زعيم الحوزة العلمية السيد الخوئي (قده) وعند الإمام السيد محسن الحكيم (قده)، هذا و قد أمضى سماحته أكثر من سبعة وعشرين عاما في النجف الأشرف طالبا مثابراً وأستاذا لامعا، وقد اشتهر عن سماحته أنه كان من الطلاب المقربين من أستاذه الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر حيث كان يُجلسه دائماً إلى يمناه ولا يشرع بإعطاء الدرس قبل حضوره. وكان عمدة تحصيله لبحث الخارج الفقهي والأصولي على يد أستاذه آية الله الخوئي (قده) وأستاذه آية الله الصدر، فأكمل على يديهم أكثر من دورة أصولية، هذا وكان لسماحته علاقة وثيقة ومودة عميقة تربطه بالإمام الخميني (قده) وبالإمام المغيب السيد موسى الصدر حيث كانا مقيمين بالنجف أثناء فترة دراسته هناك.
وفي العام 1981عاد سماحته الى وطنه حيث كانت ساحة الجهاد العلمي والعملي بانتظاره. فبدأ نشاطه في مسجد الإمام المهدي (عج) في منطقة الغبيري، إذ كان يؤم المصلين ويقوم بواجب الإرشاد والتوجيه والتفقيه. ومن المسجد انطلق الى المجتمع ففتح له قلبه ومنزله، فكان ولازال يستقبل الفقراء والأيتام ويحنو عليهم حنو الأب على أبنائه بالإضافة الى أصحاب المشكلات والحاجات وغيرها من القضايا الشرعية و الإجتماعية التي كان يتصدى لحلها .
وبالإضافة الى ذلك كان سماحته يقوم بجولات أسبوعية على القرى والبلدات الجنوبية، محاضراُ ومثقِّفاً، إيماناً منه بأهمية ترسيخ المفاهيم الإسلامية الحقة في مواجهة موجة الإنفتاح الحضاري على الغرب، وخصوصاً أن تلك الفترة كانت الصحوة الإسلامية في لبنان ما زالت في بداياتها. بدأ سماحة الشيخ بإعطاء الدروس الحوزوية وذلك بعد قدومه من النجف الأشرف بفترة وجيزة في حوزة الرسول الأكرم (ص) والتي كان له دور التأسيس والتدريس فيها، وقد استمر على التدريس فيها لأكثر من سبعة عشر عاماً. هذا وقد تتلمذ على يده مجموعة كبيرة من أفاضل العلماء أثناء فترة تدريسه في العراق وفي لبنان، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: آية الله العظمى المرجع السيد محمد صادق الصدر(قده)، نائب أمين عام حزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم، سماحة القاضي الشيخ يوسف عمرو، سماحة المفتي الشيخ عبد الأمير شمس الدين، سماحة الشيخ عبد الكريم عبيد وغيرهم العديد من العلماء الأفاضل.
 علاقة جمع
لعب سماحة الشيخ دورا بارزا في توحيد صفوف الطائفة وتحصينها في مواجهة رياح الفتنة التي عصفت بها، محافظا على التوازن في العلاقات الإجتماعية مع كل الفئات والتنظيمات العاملة على الساحة اللبنانية، وذلك من خلال انفتاحه على الجميع من أجل تشجيع المحسن على إحسانه وتنبيه المخطئ على خطئه بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان دائما ولا يزال بامتيازعلامة الجمع. وعلى صعيد آخر كان لسماحته دور بارز أيضا في دعم ثقافة المقاومة في وجه العدو الصهيوني في كل المجالات وعلى مختلف الإتجاهات التي كان يتحرك من خلالها، فأعطى الترخيص الشرعي للشهيد بلال فحص بالقيام بعملية استشهادية ضد العدو الصهيوني. ومما كان يقوله سماحته للمجاهدين: "إن جهادكم اليوم على أرض الجنوب لهو امتحان متجدد في تاريخ الصراع بين عز وإباء الحق وبين ذل وهوان الباطل. أبنائي إن كل رصاصة تطلق على صدر العدو هي صلاة تتقربون بها الى الله تعالى، وإن كل قرية وبلدة تتحرر تصبح كعبة ثانية، نطوف حولها طواف العزة والإباء، هذه المعركة معركتنا وهذا المصير مصيرنا، فلا قيمة لحياة تنكسر فيها الرقاب وتذل فيها النفوس وتضعف فيها القلوب، فإما أن نعيش أعزاء أحراراً وإما نتوج بشرف الشهادة".
ومن جهة أخرى يحدثنا سماحته عن تجربته في التعليم الديني فيقول : "تجربتي كانت نابعة من حرصي على الدين وأحكامه السمحاء والذي يشتمل على جميع ما يحتاجه الإنسان في حياته الدنيوية والأخروية، وبهذا الإعتبار عُرف عن الإسلام أنه دين الحياة". معتبراً أنها تجربة موضوعية استطاع أن يدمج فيها بين بناء الفكرالحوزوي وبناء الفكر التربوي والأخلاقي للطلاب، وهذا التوجه الذي اعتمده في التدريس عبر عنه مخاطبا الأستاذ المربي من خلال هذه الأبيات الشعرية التي يقول فيها "بعثتك ألطافُ السماء رسولا/ لتشيد مجتمعاً وتبني جيلا/ فاغرس بذورَ الدِّين في أفكاره/ لتنال من توجيهه المأمولا/ الدينُ مدرسةُ الهدى فبغيره/ لا تستطيعُ إلى الصلاح وصولا/ والعلم لا يُجدي بغير عقيدة/ كالنور لا يُجدي الضرير فتيلا/ إن التقدُمَ في العلوم تأخرٌ / إن لم يهذِّب أنفساً وعقولا".
وعن نظرته الى المشهد الداخلي في ظل الإصطفاف الطائفي والمذهبي في لبنان يقول سماحته :" نحن اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى الى عمل دؤوب وجاد لإعادة ترشيد ثقافة العيش المشترك، فلم يعد مقبولا أن تمزقنا الحياة السياسية بكل تقلباتها. فإذا كانت هناك للأسف ظروف ومعطيات محلية وإقليمية تتحكم في مسار ومصير هذا الوطن، فما من مبرر مطلقا لنا كلبنانيين بالسماح للخطاب السياسي بأن يبني الحواجز المصطنعة بين أبناء الوطن الواحد على اختلاف طوائفهم وتوجهاتهم، خصوصاً في هذه الأيام، حيث أنني أرى أن آلة الشحن الطائفي لا تهدأ، لذلك علينا جمعيا أن نتحمل المسؤولية لا أن نتقاذفها، وكلٌّ من موقعه السياسي والديني والتربوي والإجتماعي، وإلا فإن الأجيال القادمة لا ترحمنا".

مؤلفات سماحته
من وحي الإسلام
فلسفة الصيام في الإسلام
فلسفة الحج في الإسلام
فلسفة الصلاة في الإسلام
دروس تربوية من وحي النهضة الحسينية
من نور الإسلام (شعر)
 

السابق
بائعة الهوى وحرس أوباما
التالي
شين يقاضي نادياً للتعري